إمامة المرأة للنساء
تعريف الإمامة:
الإمام لغة من يُقتدى به من رئيس وغيره. والإمامة اصطلاحا هي إمامة كبرى
وصغرى، عرف الماوردي الإمامة الكبرى بقوله: "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة، في
حراسة الدين وسياسة الدنيا به"، والمراد بها الرئاسة العامة في شؤون الدنيا
والدين. وورد في القرآن الكريم: "واجعلنا للمتقين إماما"، أي أئمة يقتدى
بنا، و قوله عز وجل: "إني جاعلك للناس إماما"، أي إني مُصيرك للناس
إماما يُؤتم ويقتدى به .
أما
الإمامة الصغرى، فعرفها بعضهم بأنها ارتباط صلاة المؤتم بالإمام ، فالإمام متبوع
لأن الإمامة تفيد التقدم والمتابعة.
فضل الإمـــــامـــــــــــــة:
يبين سمو الإمامة وشرفها قوله صلى الله عليه وسلم: "أئمتكم شفعاؤكم فاختاروا بمن تستشفعون".
خطورة الإمامــــــــــة:
إذا ثبت للإمامة الشأن العظيم لمن كان أهلاً لها، فإن المترامي عليها، والذي ليس أهلا لها، معرض للإثم، قال صلى الله عليه وسلم : "من أم قوما فإن أتم فله التمام وإن لم يُتم فلهم التمام وعليه الإثم" رواه أحمد.شروط الإمــــــــــام:
شروط الإمامة هي الإسلام، والذكورة، والبلوغ، والعلم بأحكام الصلاة، وكذلك
القدرة على الإتيان بالأركان.
حكم إمامة المرأة للنساء:
المشهور في المذهب المالكي، أن المرأة لا تؤم رجالا ولا نساءً، لا في
الفريضة ولا النافلة، وعلى هذا الرأي اقتصر الشيخ خليل رحمه الله، وحكم ببطلان
صلاة المؤتمات بالمرأة قائلا:
وبطلت
باقتداء بمن \\ بان كافرا أو امرأة. وفي المدونة: "لا تؤم المرأة" أي
مطلقا لا رجالا ولا نساء لا نافلة ولا فريضة.
أدلة السادة المالكية على عدم جواز إمامة المرأة:
ـــ حديث : "يؤم القومَ أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً
فأعلمهم بالسنة...." فقالوا بأن القوم تطلق على الرجال، والنساء لا يدخلن في
مسمى القوم. ودليل إطلاق القوم على الرجال فقط، قوله عز وجل: "يا أيها الذين
آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن
خيرا منهن"، فالعطف يقتضي المغايرة، فلما عطف النساء على القوم، دل على عدم
دخول النساء في مصطلح القوم.
ـــــ كما استدلوا بحديث: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف
النساء آخرها وشرها أولها"، فقالوا بأن تقدم المرأة للإمامة غير متصور أصلا.
ــــ وبحديث : "لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، والولاية تشمل
الإمامة الكبرى والصغرى.
لكن يشْكُل على هذا الرأي المشهور، أي منع إمامة المرأة للنساء، الأمور التالية:
ــــــــ ما روي في الحديث عن إجازة الرسول صلى الله عليه
وسلم لإمامة أم
ورقة بأهل بيتها.
ـــــــ ما أورده الحافظ ابن حجر في الدراية (1/169): "وأخرج محمد بن
الحصين من رواية ابراهيم النخعي عن عائشة: أنها كانت تؤم النساء في شهر رمضان،
تقوم وسطاً".
ــــــــ وروي عن ابن عباس رضي الله عنه : "تؤم المرأة النساء تقوم
وسطهن".
ـــــــ ما ثبت أيضا عن أم سلمة أنها كانت تؤم النساء.
فهذه
الآثار وغيرها، تدل على جواز إمامة المرأة، زد على ذلك أن أدلة الرأي المشهور _وهو
المنع_ تقبل النقاش كما رد العلماء الذين أجازوا إمامتها:
ـــــــ فحديث: "يؤم القوم أقرؤهم للقرآن..." احتج أصحاب القول
المشهور بأن القوم لا تشمل النساء ، بل تطلق فيراد بها الرجال فقط، رد عليهم أصحاب
القول الثاني، بأن اللفظ فيه منازعة، فأهل اللغة على خلاف في هل تدخل النساء في
القوم أم لا في أصل الوضع اللغوي، وأن العطف لا يدل على المغايرة باضطراد، بدليل
قوله تعالى: "من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل فإن الله عدو
للكافرين"، حيث ذكر الله عز وجل الملائكة، ثم عطف عليها جبريل وميكائيل، وهما
من الملائكة، فالعطف لم يقتض المغايرة. وكذلك قوله تعالىى "كذبت قوم نوح"
وهل قوم نوح كانوا رجالا فحسب؟ ثم هب أن كلمة القوم خاصة بالرجال، فكما أن الرجال
يؤمهم أقرؤهم، فكذلك النساء تؤمهن أقرؤهن لكتاب الله.
ـــــ أما
استدلالهم بحديث: "خير صفوف الرجال أولها...."، نعم منع الحديث تقدمها
عل صفوف الرجال، فجعل خير صفوف النساء آخرها. لكن إذا لم يكن هناك رجال، فما الذي
يمنعها في الحديث من إمامة النساء؟
ــــــ أما منع إمامة المرأة لاتقاء الفتنة، فالفتنة ظاهرة في إمامتها
للرجال، وأما إذا أمت النساء وحدهن فلا فتنة.
ــــــــ أما الاستدلال بحديث: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"،
فهذا وارد في الإمامة العظمى، حين بلغه صلى الله عليه وسلم أن فارسا ملكوا ابنة كسرى. فإذا قالوا العبرة بعموم
اللفظ، فكلمة "قوم" نكرة، و"امرأة" نكرة، والنكرة تفيد
العموم، فالجواب أنه إذا منع الحديث كل إمامة للمرأة كبرى كانت أم صغرى، لعموم
اللفظ، احتُج عليهم بالقول: إلا ما خصه الدليل بالجواز، وإمامة المرأة للنساء ورد
فيها التخصيص.
والقول
بجواز إمامة المرأة للنساء، كما قال بعض علماء المالكية، قدامى ومعاصرون، هو رواية
أخرى عن الإمام مالك رحمة الله عليه،. فالمشهور كما رأينا في المذهب المالكي أنها
لا تؤم، لكن هناك رواية أخرى عن مالك رواها عنه ابن أيمن، واختارها طائفة من كبار
علماء المالكية، منهم الإمام اللخمي، وهو أحد الأربعة الذين بنى عليهم خليل
مختصره، وهذا يدل على مكانته في فقه المالكية، فقد ذهب اللخمي إلى جواز إمامة
المرأة للنساء، فبعد ذكره لما ورد عن مالك في الكتاب ويقصد المدونة: "لا تؤم
المرأة" أي مطلقا، أورد رواية ابن أيمن، بأن المرأة تؤم النساء، قال: والصواب
(كلمة الصواب تبين أن المسألة راجحة رجحانا كبيرا، حتى أنها عنده خرجت من حيز
الراجح والمرجوح، فأدخلها في حيز الخطأ والصواب) جواز إمامتها ابتداءً بالنساء إذا
لم يكن من يؤمهن، وهذا خير من صلاتهن أفذاذا، ويكره مع وجود من يؤمهن من الرجال.
وممن رجح
الجواز من المالكية أيضا، أبو إبراهيم القرطبي، حيث نقل عنه الشيخ خليل أن من
ائتمت بامرأة تعيد الصلاة في الوقت، معناه أن صلاتها غير باطلة، فهي صحيحة تعيدها
استحبابا لا وجوبا، وكذلك أبو الحسن الرجراجي شارح المدونة، فحينما ذكر المنع من
إمامة المرأة النساء، قال وهذا هو المشهور وهو ضعيف في النظر، ثم ذكر الرأي
بالجواز وهو الذي رواه ابن أيمن، وهو الذي يعضده الأثر والنظر. وهو أيضا ما رجحه
العالم محمد بن الصديق الغماري في كتابه "مسالك الدلالة" كما أفرد هذا
الموضوع بكتاب مخطوط. حققه الدكتور التمسماني ، سماه : "شد الوطأة على منكري
إمامة المرأة".
والجواز
هو الرأي الذي ذهب إليه الحنابلة أيضا، فيما رأى الشافعية الاستحباب لعموم قوله صلى الله عليه
وسلم بأن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين
درجة".
المراجـــــــــــــــــــــــــــــع:
ــ بداية
المجتهد لابن رشد
ــ مسالك
الدلالة لمحمد بن الصديق الغماري
لمزيد من الاطلاع في باب فقه الطهارة:
تعليقات
إرسال تعليق