
ما يمنعه دم الحيض والنفــــــــــــــــاس:
تعريف المانع لغة واصطلاحا:
المانع في اللغة هو الحائل، وأما في الاصطلاح
الأصولي فهو: "ما يلزم من وجوده العدم"، أي عدم الحكم. مثال إذا وُجد
الحيض امتنع فعل الصلاة.
أنواع ممنوعات الحيض والنفاس:
ـــ ممنوعات الحيض والنفاس، إما تتعلق
بالأقوال كقراءة القرآن، وإما بالأفعال من العبادات كالصلاة والصوم، ومنها ما
يتعلق بالمعاملات كالطلاق.
ــــ وهذه الممنوعات منها ما دل على منعه
الكتاب أو السنة، ومنها ما أجمع على منعه العلماء.
ـــ للحيض والنفاس ممنوعات متفق على منعها،
وهي الصلاة والصيام والاعتكاف، والطلاق والجماع، وممنوعات مختلف فيها، وهي دخول
المسجد ومس المصحف ، وقراءة القرآن والطواف.
أ ـــ الصــــــلاة:
لا تصح صلاة الحائض والنفساء، ولا تجب
عليهما، ولا تقضيانها بعد الطهر، لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت جحش:
"فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك
وصلي"، ولحديث عائشة رضي الله عنها، أن امرأة قالت لها: "أتقضي إحدانا
صلاتها أيام حيضها؟ فقالت: أحرورية أنت، قد كانت إحدانا تحيض فلا نؤمر بقضاء"
أخرجه أبو داود والترمذي في باب الطهارة.
الصلوات المشتركة في الوقت عند الطهر:
إذا طهرت الحائض أو النفساء قبل غروب الشمس،
لزمها أن تصلي الظهر والعصر من هذا اليوم. ومن طهرت من الدم قبل طلوع الفجر، لزمها
أن تصلي المغرب والعشاء من هذه الليلة، لأن وقت الصلاة الثانية وقت للصلاة الأولى
في حال العذر.
قال ابن تيمية رحمه الله في فتاواه:
"ولهذا كان جمهور العلماء، كمالك والشافعي وأحمد، يرون أنه إذا طهرت الحائض
في آخر النهار، صلت الظهر والعصر جميعا، وإذا طهرت في آخر الليل، صلت المغرب
والعشاء جميعا، كما نقل عن عبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم،
لأن الوقت مشترك بين الصلاتين في حال العذر، فإذا طهرت في آخر النهار، فوقت الظهر
باق فتصليها قبل العصر، وإذا طهرت في آخر الليل، فوقت المغرب باق في حال العذر
فتصليها قبل العشاء" فتاوى ابن تيمية 215.
أما إذا ضاق
الوقت فتصلي العصر وحده، أو العشاء وحدها، فالقاعدة أن : "الوقت إذا
ضاق اختص بالصلاة الأخيرة".
ب ــــ الصـــــــــوم:
لا يجب عليها ولا يصح منها لكن تقضيه، لقول
عائشة رضي الله عنها: "كنا نحيض عند رسول الله فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر
بقضاء الصلاة".
ج ــــ الاعتكــــــــــــاف:
لاشتماله على الصوم والصلاة، وهما من ممنوعات
الحيض والنفاس، وذلك لاشتماله على المكوث في المسجد عند بعض الفقهاء.
د ـــــ الجمــــــــــــــــــاع:
وطء الحائض والنفساء حرام بإجماع الفقهاء،
استنادا على نصوص الكتاب والسنة. كان اليهود كما في حديث أنس، إذا حاضت المرأة
منهم لم يؤاكلوها ، ولم يجامعوها، ولقد سأل أصحاب النبي عن ذلك، فأنزل الله عز
وجل: "ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن
حتى يطهرن"، ثم قال صلى الله عليه وسلم : "اصنعوا كل شيء إلا
النكاح" وفي لفظ "إلا الجماع".
فمن جامع زوجته عامدا عالما بالحيض، عالما
بالتحريم، مختارا، فقد ارتكب معصية كبيرة، تستوجب التوبة.
هل تجب الكفارة على من جامع زوجته الحائض أو النفساء:
وفي وجوب الكفارة عليه: قولان ، وجوب الكفارة
عند الحنابلة، وجمهور الفقهاء على أن لا كفارة عليه.
حكم الجماع بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال:
أما وطء الحائض بعد انقطاع الحيض وقبل
الاغتسال، فذهب المالكية إلى منع المباشرة حتى تغتسل، ودليلهم هو أن الله سبحانه
علق إباحة إتيان الحائض على شرطين: أحدهما انقطاع
الدم، وهو المراد بقوله تعالى "حتى يطهرن"، والثاني الاغتسال وهو المراد بقوله عز وجل
"فإذا تطهرن". وهو نظير قوله تعالى: "وابتلوا اليتامى حتى إذا
بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا"، فالحكم هنا عُلق على شرطين، البلوغ
وإيناس الرشد. يقول الباجي: "ومما يستند
إليه في المنع قوله عز وجل في رأس الآية: "إن الله يحب التوابين ويحب
المتطهرين" فمدح المتطهرين وأثنى عليهم، وذلك يقضي أن
يكون التطهير من فعلهم، وقد علمنا أن انقطاع الدم ليس من فعل المرأة ولا تمدح
به" المنتقى 1/117.
وروى ابن رشد اختلاف الفقهاء قائلاً: "... فذهب مالك والشافعي والجمهور،
إلى أن ذلك لا يجوز حتى تغتسل، وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن ذلك جائز، إذا طهرت
لأكثر أمد الحيض وهو عنده عشرة أيام. وذهب الأوزاعي إلى أنها إن غسلت فرجها بالماء
جاز وطؤها، أعني كل حائض طهرت متى طهرت، وبه قال محمد بن حزم.
وسبب اختلافهم الاحتمال الذي في قوله تعالى:
"فإذا تطهرن فاتوهن من حيث أمركم الله"، هل المراد به الطهر الذي هو
انقطاع دم الحيض، أم الطهر بالماء؟ ثم إن كان الطهر بالماء، فهل المراد به طهر
جميع الجسد، أم طهر الفرج فقط؟ فإن الطهر في كلام العرب وعرف الشرع اسم مشترك،
يطلق على هذه المعاني الثلاث، وقد رجح الجمهور بأن صيغة التفعل إنما تطلق على ما
يكون من فعل المكلفين، لا على ما يكون من فعل غيرهم، فيكون قوله تعالى: "فإذا
تطهرن" أظهر في معنى الغسل،... ورجح أبو حنيفة بأن لفظ يفعلن في قوله تعالى:
"حتى يطهرن" هو أظهر في الطهر الذي هو انقطاع دم الحيض" بداية
المجتهد ص 41ــــ 42.
ه ـــ الطـــــــــــلاق:
يحرم على الزوج أن يطلق زوجته وهي حائض أو
نفساء، وإذا وقع منه أجبر على مراجعتها. روى البخاري أن عبد الله بن عمر، طلق
زوجته وهي حائض، فذكر ذلك عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ ثم قال: "امره ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر
ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها".
واختلف العلماء في وقوعه، فذهب أغلب العلماء إلى وقوعه مع
الإثم، وذهب بعضهم إلى أنه لا يقع، مستدلين بما رواه أبو داود من حديث ابن عمر
وفيه: "فردها علي ولم يرها شيئا". والأئمة الأربعة على أن الطلاق أثناء
الحيض يقع مع الإثم، ويسمى طلاقا بدعيا.
وــــ دخول المسجـــــــــــد:
جمهور العلماء على منع دخول الحائض للمسجد،
ومكثها فيه، لحديث: "لا أحل المسجد
لحائض ولا جنب"، واستشهد من أجاز دخولها بضعف حديث المنع، وبأن المؤمن
لا ينجس، وتيسيرا على الحائض للضرورة، يمكن الأخذ بما ذهب إليه ابن تيمية وغيره من
الحنابلة، من جواز الدخول للحاجة كطلب العلم. وبهذا صدرت فتوى من المجلس العلمي
الأعلى بخصوص دخول المسجد للحائض لحاجة حضور دروس محو الأمية.
ز ـــ مس المصحــــــــــــــف:
مذهب الأئمة الأربع أنه لا يمس القرآن إلا الطاهر،
واستثنى المالكية المعلمة والمتعلمة، حيث
ورد عن الدردير قوله: "إلا لمعلم أو متعلم وإن حائضا لا جنبا" عن
كتاب بلغة السالك لأقرب المسالك باب دماء النساء.
أما قراءة القرآن بدون مس
المصحف، فللمالكية قولان: قول بالجواز وهو المشهور، يقول الشيخ خليل في مختصره:
"ومس مصحف لا قراءة" ولهم قول آخر بالمنع، ودليل المانعين حديث الترمذي
وابن ماجة: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن". ورد القائلون
بالإباحة بأن الحديث ضعيف ولا ينهض للاحتجاج، فتبقى المسألة على الإباحة.
وحصر البعض حالات جواز قراءة الحائض، في أن تقصد بالقراءة التعوذ أو
الدعاء، أو عند الاستدلال بآيات قرآنية للمعلمة والمتعلمة.
ح ـــــ الطواف بالكعبـــــــــــــة:
يشترط للطواف ما يشترط للصلاة من طهارة حدث وخبث. فعن عائشة رضي الله عنها
قالت: "قدمت مكة وأنا حائض فلم أطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا
تطوفي بالبيت حتى تطهري".
وذهب أبو حنيفة إلى أن للحائض أن تطوف، ولا يشترط الطهر عند الضرورة، وكذلك
إحدى الروايتين عن أحمد، وتجبر الطهارة بالدم. ( فتح الباري 3/327 )، بحيث تتحفظ
المعتمرة الحائض حتى لا تؤذي المسجد ثم تطوف للضرورة. ومن منع ذلك قال بأن العلة
ليست أذية المسجد، وإنما العلة أن الطواف بمنزلة الصلاة، ولذلك يستقبل فيه جهة
معينة، فيجعل الكعبة على يساره، كما يُتطهر له، ويعتد بأشواطه كالركعات، لذلك
اشترطوا الطهارة للطواف.
والمرأة الحائض أو النفساء إذا بلغت الميقات، تحرم وتفعل ما يفعله الحاج،
إلا الطواف عند بعض الفقهاء ـ كما ذكرنا ـ إن أمكنها أن تنتظر حتى تطهر فتطوف.
المراجــــــــع:
ــ المنتقى للباجي
ــ بداية المجتهد لابن رشد
ــ
بلغة السالك لأقرب المسالك للدردير
ــ مختصر
خليل
تعليقات
إرسال تعليق