وقفة مع اسم الله "الوهاب"
معنى الوهاب:
الوهاب في اللغة صيغة مبالغة، على وزن فعال
من الواهب، وهو المعطي للهبة، من الفعل وهب، يهب، وهبا، وهبة، والهبة هي العطية
الخالية عن الأعواض والأغراض. فإذا كثُرت سمي صاحبها وهابا. والوهاب في صفته تعالى،
يدل على البذل الشامل والعطاء الدائم. ومن معاني اسم الوهاب أيضا، أنه يجود سبحانه
بالعطاء قبل السؤال.
كل
ما وهب لك الوهاب من ولد وغيره فهو موهوب. ومنه قولنا للمولود له: شكرت الواهب
وبورك لك في الموهوب.
الفرق بين الرزاق والوهاب:
الرزاق هو الذي يعطي مع وجود الأسباب، كأن تشتغل
فتأخذ أجرتك، أما الوهاب فهو المعطي دون توفر المقدرة، لذلك لما توجه النبي سليمان
إلى ربه بالطلب قال: "رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي" ص:35، فماذا
أعطاه الله سبحانه؟ أعطاه ملكا عظيما جدا، رغم هذه الحضارة الحديثة، لم يصل أحد
بعدُ لملك سليمان، حَكَم الريح والحشرات والمطر والجن والمعادن. فسليمان في صيغة
هذا الدعاء، تجرد من حوله وقوته، ليدخل في حول الله وقوته وما أعظمها، حينما قال: "هب
لي" لأن ليس لديه أسبابا، وإلا قال رب ارزقني أو أعطني.
وكذلك الأمر مع سيدنا زكرياء، لما ناجى ربه داعيا أن يهبه الذرية،"رب
لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين" الأنبياء 89، أجاب عز وجل: "فاستجبنا
له ووهبنا له يحيى" الأنبياء:90، لم يقل رزقه لأنه ليس لديه أسبابا، ولا
تتوفر فيه الظروف المواتية للإنجاب. فزكرياء كان قد بلغ من الكبر عتيا، وامرأته
كذلك طاعنة في السن لا تلد، فكيف بعاقر في سن الإنجاب مع مظنة وقوعه، أن تلد بعد
أن وهن العظم منها، قال سبحانه: "ووهبنا له يحيى " ليس له ولا سبب فاستجاب له الله، طلب هبة فمنحه
إياها سبحانه.
كذلك الشأن بالنسبة لإبراهيم عليه السلام، حيث كان مسنا وكانت امرأته عاقرا،
إلا أن الله تفضل عليهم بالعطية قائلا: "ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا
جعلنا صالحين" الأنبياء:72، فالوهاب يهب الهدية دون توفر المؤهلات ولا القدرات، إن شاء سبحانه.
الوهاب في القرآن الكريم:
ورد لفظ "الوهاب" معرفا في القرآن
الكريم ثلاث مرات، وبصيغة الفعل مرات متعددة:
"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت
الوهاب"آل عمران:8
"أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب" ص:9
"قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت
الوهاب" ص:35
من أسرار اسم الله "الوهاب":
ــ اسم "الوهاب" وأسماء الله الحسنى كلها لها طاقة عظمى: "ولله
الأسماء الحسنى فادعوه بها" الأعراف: 180.
ــ في الأسماء الحسنى طاقة شفائية، تحفز المناعة الذاتية، تحسن مسارات
الطاقة الحيوية داخل الجسم، وهذا ما يؤكده المختصون.
ــ كما أن أسماء الله الحسنى ذرع حامي للوقاية أيضا .
ــ اسم الله الوهاب يفتح به سبحانه من بحار جوده وفضله، يعطي من خزائنه، عطاء بدون سبب، يهب ما يشاء لمن يشاء من نعيمه وخزائن
رحمته. فقد أعطى لسليمان ملكا لا ينبغي
لأحد من بعده. فحينما أقرأ دعاء سيدنا يونس من قوله سبحانه: "قال رب اغفر لي
وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب" ص: 35، وبعدها تأتي
استجابة الوهاب له: "فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل
بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وإن له
عندنا لزلفى وحسن مآب" النمل:16، وقوله عز وجل: "وورث سليمان داوود وقال
يا أيها الناس عُلمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل
المبين"، "وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون"
النمل:17، تفيض عيناي من الدمع، ويدهش عقلي من كرم عطاء الله، حقا إذا أعطى سبحانه
أدهش بالعطايا فسبحانه الوهاب.
واجبنا نحو اسم الله "الوهاب":
1ـ تمثل اسم "الوهاب"
والعمل به، بالعطاء الكريم للمحتاج خاصة، دون انتظار مقابل. فإذا أردت أن يتجلى
عليك الله بهباته، فالجزاء من جنس العمل، كن أنت أيضا وهابا، تعطي دون استحقاق
للعباد، ودون غرض "...لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا".
2ـ الإحساس بالعطايا والنعم، كلنا موهوب من طرف الواهب سبحانه، وإذا كنت
ممن يقرأ هذه الكلمات ويدور في نفسه أن الله لم يهبه شيئا، وأنه ينقصه الكثير مما
لدى الآخرين، فاسمح لي أنت غافل عن نعم الله عليك، لديك عروض بمئات الملايين
تستوجب الاعتراف والامتنان، فالتفِت إليها.
3ـ عدم الانشغال بالهبة عن الواهِب، بالنعمة عن المنعِم.
4ـ اسم الوهاب للعلاج والوقاية من بعض أمراض القلوب، فعندما تعرف أن
الفضائل هبة من الله لا تحسد أحدا، فهو واهب غيرِك من الناس، وهو القادر على أن
يهبَك أيضا. "تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء" آل عمران:26،
فأنت تجد نفوسا لم تعالج ولم تتربى بأسماء الله تعالى، ترى الشخص ينازع كل صاحب
نعمة، (لماذا مُنح هذا، وعلى ما أُعطِي كل ما لديه، ليس فيه ما يميزه عنا)، فهذه
منازعة لاسمه الوهاب.
فهو قادر سبحانه أن يكرمك كما أعطى لغيرك "إنما أمره إذا أرد شيئا أن
يقول له كن فيكون" يس:82. وحتى لو منعك شيئا تعلقتَ به، فاعلم حق اليقين، أن
في منعه عز وجل عين العطاء، كما قال أبو العطاء السكندري في حكمه العطائية.
ولنا في قصة موسى مع الخضر خير مثال، ألم يكن خرق السفينة هو قمة النجاة،
وقتل الغلام هو منتهى الرحمة، وحبس كنز اليتيمين هو قمة العطاء، فاصبر على ما لم
تحط به خبرا، فلكل منا عطاء في منع، ومنحة في محنة، ولله الحمد والمنة على ما أعطى،
وعلى ما منع.
5ـ عدم اليأس والقنوط، في كل الأحوال والظروف، فكثيرا ما أحسسنا بالعجز،
وقلة الحيلة، ونسينا قول الله: "هو علي هين" مريم:21.
6ـ إنه سبحانه إذا وهبك شيئا لا يمكن أن ينزعه منك أي أحد، فلا يقع في قلبك
خوف من الناس، ولا من مكائدهم لأنه سبحانه وتعالى عزيز أمره نافذ.
7ـ شكر الواهب على ما أنعم به سبحانه: "رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي
أنعمت وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه" النمل:19 وقد كانت تلك دعوة النبي
سليمان بعد ما شهده من نعم الله عليه.
ما الذي يحجزنا عن إيماننا باسم الوهاب؟
ا ـ نسيان العطايا، والغفلة عنها مع عدم التعرف إليها إلا بعد زوالها،
ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو: "اللهم عرفنا بنعمك علينا بدوامها
لا بزوالها".
ب ـ إنكار نسبة العطية إلى الله، فتشعر أنك صاحبها، وأنك مستحقها، قال تعالى:
"فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على
علم" الزمر:49.
لا يأس ولا إحباط مع اسم الله الوهاب:
من عرف هذا الاسم، وعاش معه، وهتف به طويلا،
لن يستسلم للإحباط، لأن الله يهب بلمح البصر، فالوهاب هو المعطي من حيث لا تحتسب، الرازق
من أضيق الأبواب ـ في نظرك ـ، وإذا أعطاك أدهشك بجزيل عطائه.
ليس لمن تمنى أماني صعبة المنال، إلا الوهاب سبحانه، يعطيك ويغمرك بالعطايا، ودون توفر الأسباب. "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" البقرة:186، (الداعي) أي داعي لم يشترط فيه أي شرط سبحانه.
وهو القائل عز وجل: "ادعوني استجب لكم" غافر:60، وفي صحيح حديث
الترمذي وغيره: "إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما
صفرا".
من يرى الدنيا ظلمته أين هو من دعوة نوح:
"فدعا ربه أني مغلوب فانتصر" القمر:10، ما ذا عمل الله سبحانه؟ "ففتحنا
أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر"
القمر:11ـ12، قامت الدنيا وتغيرت قوانين الكون وسننها، لأن أحدهم قال إني مغلوب
فانتصر. يلزم فقط حسن الظن بالله، ففي الحديث القدسي، عن أبي هريرة أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال الله تعالى:"أنا عند ظن عبدي بي". كل شيء هين
بالنسبة لله عز وجل، فهو القائل في محكم كتابه: "هو علي هين" مريم:9.
فكل ما يعجز عنه الإنسان لا تعجز عنه القدرة الإلهية، وهذا لا يتعارض مع ضرورة
توفير الأسباب قدر المستطاع، وبذل الجهد لبلوغ المبتغى، وما بعد ذلك يترك للتدبير
الإلهي.
مختارات من مدونة "فقه المرأة":
تعليقات
إرسال تعليق