الصفحات

القائمة الرئيسية

أسرار عبادة الشكر

أسرار عبادة الشكر

مفهوم الشكر
الشكر والحمد
الشكر والامتنان
بماذا يكون الشكر
السبب الصارف للعبد عن الشكر
أسرار لتفعيل شكر القلوب،أو علاج غفلتها عن الشكر
إن لعبادة الشكر لفضلا وثمارا لا تحصى 

تقديــم:

الشكر منزلة من منازل السائرين إلى الله عز وجل، وهو من أعلى المقامات، فوق منزلة الرضا، فالرضا مندرج في الشكر، إذ يستحيل وجود الشكر دون رضا، وهو نصف الإيمان كما أخبر بذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فما مفهوم الشكر؟ وما فضله؟ وما سبب الغفلة عنه؟ وكيف السبيل إلى جعله ممارسة يومية؟ 

معنى الشكر:

الشكر: كما قال ابن منظور"عرفان الإحسان ونشره"، فهو اعتراف المرء بالإحسان لذويه، والثناء عليهم، وإنكارُه لؤم

قال ابن القيم رحمه الله: "الشكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده، ثناءً واعترافا، وعلى قلبه شهودا ومحبة، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة".

 الشكر والحمد:

ذهب الطبراني  وغيره، إلى أن الحمد والشكر بمعنى واحد، وممن خالفهم ابن كثير حين قال:
1- الحمد أعم من الشكر، فالأخير يكون بعد نعمة، أو إسداء خدمة، خلافا للحمد فإنه يكون مقابل نعمة كما يكون بدونها.
2- الحمد يختص باللسان، أما الشكر فيكون باللسان، والقلب، والجوارح.

الشكر والامتنان:

الامتنان في معجم اللغة العربية المعاصرة: "مصدر امتن، أي اعتراف بالفضل والجميل، عكسه الجحود، عبر عن امتنانه لصديقه، شكره"
إذن فالشكر والامتنان بمعنى واحد.

بماذا يكون الشكر؟

فالشكر كما ذُكر يكون باللسان والقلب والجوارح، فاللسان للثناء والحمد، والقلب لمعرفة النعم ومحبة المنعم، وأما الجوارح فباستعمال نعم الله تعالى، في طاعته، والتوقي من الاستعانة بها على معصيته، فشكر العينين مثلا: أن تستر كل عيب تراه لعبد، وشكر الأذنين أن تستر كل نقيصة سمعتها عنه، أي استخدام ما أنعم به الله  في طاعة المنعم، وصرفها عن معاصيه.
فلو أن أحدا لديه مال عليه زكاة، ولم يؤد حقها، لا يغنيه الشكر باللسان، ولا يعد شاكرا، ولو قالها مرات عدة باللسان. قال سبحانه: "اعملوا آل داود شكرا".

السبب الصارف للعبد عن الشكر:

الغفلة والجهل بالنعم، ذلك أن الناس لا يعدون ما يعم الخلق، ولا ما يسلم لهم في جميع أحوالهم، نعمة. فلذلك لا يشكرون على النعم التي تعم الناس كافة، فلا ترانا نشكر على نعمة الهواء، ولو انقطع عنا لحظة، لقدرنا هذه النعمة حق قدرها،- ونحن نرى في ظرفنا الحالي، تقاطر مرضى كرونا على أسرة الإنعاش، للاستعانة بأجهزة التنفس- فإن ابتلي أحد منا بشيء من ذلك ثم نجا، ربما قدرنا تلك النعمة.
وهذا غاية الجهل كما قال الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، إذ صار شكرنا موقوفا على أن تُسلب منا النعمة. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو: "اللهم عرفنا بنعمك علينا بدوامها، لا بزوالها".
كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يستشعر نعمة الله عليه، حتى في المصاب يصاب به، لا يستحضرفي ذلك نعمة واحدة فقط، بل أربع نعم في البلاء الذي حل به، حيث قال: "ما ابتليت ببلاء، إلا كان لله علي فيه أربع نعم: إذ لم يكن في ديني، وإذ لم يكن أعظم منه، وإذ لم أُحرَم الرضا به، وإذ أرجو الثواب عليه".
فلا ترى البصير يشكر على نعمة البصر إلا أن يعمى، حينذاك يحس بهذه النعمة، فصار الكثير من الناس، لا يشكر إلا على نعمة المال، الذي تنتابه القلة والكثرة.
طلب أحد الخلفاء، وبيده كأس ماء، من عالِم أن يعِظه، فقال له: لو لم تُعط هذه الشربة، إلا ببذل جميع أموالك، وإلا بقيت عطشانا، فهل كنت تعطيه؟ قال : نعم، فقال: لو لم تُعطَ إلا بمُلكك كله فهل كنت تتركه؟ قال نعم. بين هذا أن نعمة الله تعالى على العبد في شربة ماء عند العطش، أعظم من ملك الأرض كلها.

علاج غفلة القلوب علها تشكر:

أما القلوب البصيرة كما قال الحكماء، فعلاجها التأمل في أصناف النعم، وأما ما دونها، والتي لا تعد النعمة نعمة إلا إذا خُصت بها، أو شعرت بالبلاء معها، فسبيلها أن تنظر أبدا إلى من دونها.
كان من السلف من يحضر دار المرضى،  ليشاهد أنواع الابتلاءات، فيشكر الله. ويحضر المقابر، ليعلم أن أمنية الأموات، أن يردوا ولو ليوم واحد، للاستزادة من أفعال الخير، فيجتهد لتدارك ما قصر في القيام به .
ومنهم من حفر حفرة، فكان ينام في لحده ثم يقول: "رب ارجعون لعلي أعمل صالحا"، ثم يذكر نفسه : لقد أعطيت ما سألت، فاعمل قبل أن تَسأل الرجوع فلا تُرد.
الاستعانة بمعونة الله على شكره لأننا لن نقدر أن نوفيه سبحانه الشكر، فقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل بأن يدعو: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
فإن ضاق أحدهم من البلاء الذي اعتراه، لأنه يرى من زادت معصيتهم على معصيته، ولم يصابوا؟ فقد أجابه الإمام الغزالي بعدة أمور:
ـ فاعلم أنما قد أمهل سبحانه، "إنما نملي لهم ليزدادوا إثما".
ـ أما المعاصي فمن أين تعلم أنهم أعظم منك معصية؟ ورب خاطر بسوء أدب، في حق الله تعالى، أعظم من سائر المعاصي بالجوارح، "وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم".
ـ ثم لعله أخرت عقوبته، وعجلت لك في الدنيا، فلم لا تشكر الله على ذلك؟ وهذا مدعاة للشكر لا للتبرم، فما من ابتلاء إلا ويُتصور تأخيره إلى الآجلة. فكل بلاء في الأمور الدنيوية يؤلم في الحال، وينفع في المآل، فرب ضارة نافعة.

إن لعبادة الشكر لفضلا وثمارا لا تحصى:

ـ له أجر عبادة الأقلية: "وقليل من عبادي الشكور"، عبادة الأنبياء والأخيار الأصفياء.
ـ خص الله سبحانه، الشاكرين بفضله ومنته عليهم حين قال: "وكذلك فَتَنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين"، فصفة الشكر تُعلي مرتبة العبد عند ربه.
ـ به كمال الإيمان، فالمؤمن بين صبر وشكر.
ـ منجي من العذاب، قال تعالى: "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما".
ـ الشكر يسمو بالنفس، وينأى بها عن الحقد والحسد، فالشاكر قنوع بما لديه من نعم.
ـ الشكر مقيد للنعم، حافظ لها من الزوال، قال عز وجل في سورة النحل، والتي تسمى بسورة النعم، - عدد لنا سبحانه فيها نعما كثيرة، متنوعة، وعلمنا كيف نحافظ عليها، وذلك بشكره عليها: "ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون" وكُفر النعم، عدم شكرها. فشكر النعم مظنة دوامها، والحفاظ عليها.
جاء في الأثر: "قيدوا النعم بالشكر"، وهذا ما ذكره ابن عطاء الله في حكمه بقوله: من لم يشكر النعم، فقد تعرض لزوالها، ومن شكرها فقد قيدها بعقالها.
ـ ثم إن شكر الله سبحانه على النعم التي حبانا إياها، سر من أسرار الوفرة، والاستزادة من كل خير مادي ومعنوي، فللشكر تأثير إيجابي أيضا على الصجة النفسية والعضوية، فالقلب الممتن، جاذب للنعم بعامة، عموم الآية الكريمة "لإن شكرتم لأزيدنكم". وقد أكد الخبراء في دراسات عديدة، تأثيرَ الشكر على الدماغ والجهاز المناعي، فهو محفز للطاقة الإيجابية في الدماغ، الداعمة للنظام المناعي.

خلاصة:

فالشكرعبادة بل من أجل العبادات، التي ترقى بك إلى مدارج السالكين، وهي أدب، وذوق، وثقافة، وفن، ومنهج حياة.

 المراجع:

إحياء علوم الدين للغزالي
مدارج السالكين لابن القيم الجوزية

لمزيد الاطلاع في المدونة:



هل اعجبك الموضوع :
مدونة تعليمية تربوية، تعنى بالأحكام الفقهية الخاصة بالمرأة، وكل ما يتعلق بها من ثقافة ومعرفة

تعليقات