الاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف
الاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف:
تحل يوم الخميس المقبل بإذن الله ذكرى المولد
النبوي، حيث تتجدد كل سنة كثرة التساؤلات حول مشروعية الاحتفال به، فينقسم الناس
طائفتان، أو بالأحرى ثلاث طوائف فهناك من يعتبره "عيدا"، وهناك من يظنه
"بدعة"، ولعل أصوبها أنه "ذكرى".
فالمناسبة ليست عيدا....وليست بدعة منهى عنها...وإنما هي
ذكرى المولد النبوي الشريف.
للذكريات شأن مهم في كل المجتمعات ومنها
الإسلامية، ولذلك قال سبحانه:"ذكر فإن الذكرى تنفع المومنين"، فأيام
الذكرى كيوم البيئة، أو يوم العمال، وغيرهما من الأيام السنوية، هي للتنبيه لقضية
ما، أو لشريحة معينة من المجتمع.
فالأحداث يسجلها التاريخ لتكون مرآة، تنظر فيها الأجيال
المتعاقبة صور الماضي، فتعرف أحداث النجاح وأسبابه، وأحداث الإخفاق وأسبابه، ولذلك
سلك القرآن الكريم، هذا المسلك، فقص على الناس كثيرا من أنباء السابقين، مصلحين
ومفسدين للعبرة.
للإشارة فقد اختلف المؤرخون في يوم ولادته صلى
الله عليه وسلم، هل هي اليوم الثاني من ربيع الأول؟ أو التاسع منه؟ أو الثاني عشر
منه؟ والمؤكد لديهم، هو وفاته صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني عشر من ربيع
الأول.
مشروعية الاحتفال بالذكرى:
لم يكن الاحتفال بالمولد النبوي في عهد
الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث لم يبدأ المسلمون بإحياء هذه الذكرى، إلا في القرن
الرابع الهجري. والدافع كان هو حب الرسول صلى الله عليه وسلم، والرغبة في الإكثار
من ذكره.
وأغلب العلماء قالوا بمشروعية الاحتفال، مثل ابن حجر
وابن تيمية وغيرهما، مع تفصيل في الأمر، أي إذا كان الاحتفال يتعدى الشكليات
والمظاهر، إلى إحياء سنته صلى الله عليه وسلم والاقتداء بها. أما إذا كان عبارة عن
التضرع إلى الأضرحة، وما قد يرتبط بذلك من شركيات والعياذ بالله، فإن الاحتفال
بهذا المعنى يكون ممنوعا شرعا.
قال الإمام السيوطي سئل شيخ الإسلام ابن حجر عن عمل المولد فأجاب: أصل عمل المولد
بدعة لم تُنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت
على محاسن وضدها، فمن تحرى في عمل تلك المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة، وإلا
فلا، وأضاف قائلا: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيح، من أن
النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم
فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون، ونجى موسى، فنحن نصومه شكرا لله تعالى، فقال
صلى الله عليه وسلم: نحن أولى بموسى منكم. فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما مَن
به في يوم معين، من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويحتفى بذلك اليوم في مثله من كل سنة.
والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة
والتلاوة، وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي، نبي الرحمة في ذلك اليوم.
فينبغي أن تقتصر
مظاهر إحياء ذكرى المولد، على ما يُفهِم الشكر لله من نحو ما تقدم، من التلاوة
والصدقة والإطعام، وإنشاد شيء من المدائح النبوية، المحركة للقلوب إلى فعل الخير
والعمل الصالح.
فمن الثابت أنه "لا يُنكَر المختلَف فيه وإنما ينكر
المجمَع عليه".
إذن فحكم الاحتفال يكون ممنوعا، في حالة البدع الذميمة،
وقد يكون مرغوبا فيه، إذا كان يذكرنا بأخلاقه الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته
وسنته.
كيف كان الاحتفال في القرون الأولى وإلى ماذا
آل واقع هذا الاحتفال؟
في البداية كان الاحتفال معتدلا يتم فيه
التعريف بسيرته صلى الله عليه وسلم، وأخلاقه، ومحاولة تمثل واتباع ذلك في حياتهم،
مصداقا لما ورد في قوله تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله ورسوله فاتبعوني
يحببكم الله".
تم إحياء الذكرى
ـ ولا يزال من ذلك الكثير ـ بإحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومدارسة سيرته
العطرة. لما في ذلك من الفائدة.
إلا أنه في المقابل تجد في عصرنا الحالي، عدة
مظاهر منافية لمقاصد هذه الذكرى العطرة، تتمثل في الاستغاثة بالأضرحة، وتنتشر معها
الكثير من ممارسات السحر والشعوذة، كما تجد أمداحا وقصائد فيها مبالغة صريحة، قد
ترفع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى درجة الألوهية، أي أنه ليس مثل البشر، بل هو
نور، ويُسأل جلب النفع.
ـ وقد نهى في حياته صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: "لا
تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسوله".
ـ ولما ناداه أحدهم: "يا خيرنا وابن خيرنا، ويا
سيدنا وابن سيدنا" قال صلى الله عليه وسلم: "أنا محمد بن عبد الله
ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل".
ـ أحدهم قال: "ما شاء الله وشئت" فقال صلى
الله عليه وسلم: "أجعلتني مع الله عدلا:لله ندا؟ لا بل ما شاء الله
وحده".
إن الاحتفاء المشروع بهذه الذكرى كما وضح العلماء، يكون
باتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، أي الاقتداء والتطبيق لما ورد عنه صلى الله
عليه وسلم، والعمل به لا بد أن تتقدمه المعرفة الحقة، ومن ذلك العلم بسيرته صلى
الله عليه وسلم.
أهمية الاطلاع على السيرة النبوية تكمن في كونها:
التطبيق القولي والفعلي لأحكام الإسلام، وهي
بذلك أصل من أصول التشريع، تمكننا من الاطلاع كيفية تطبق الرسول صلى الله عليه
وسلم للأحكام، في السفر والحضر.
ـ بها نستطيع فهم العديد من الآيات القرآنية، لأنها تتضح
أكثر بمعرفة الأحداث التي مرت بالرسول صلى الله عليه وسلم، فتزيدنا تذوقا روحيا للقرآن
ومقاصده، بمعرفة أسباب نزوله.
ـ وبمعرفة سيرته صلى الله عليه وسلم، نستطيع تصحيح واستيعاب
العديد من خصائص التشريع الإسلامي، كالتيسير وهذا نستوعبه من قصة الأعرابي الذي
بال في المسجد، وكيف كان صلى الله عليه وسلم رفيقا في توجيهه، معاتبا لمن واجه
الموقف بشيء من الحدة، وقصة الرجل الذي
مات لاغتساله بدل الأخذ برخصة التيمم. بالإضافة إلى أقواله صلى الله عليه وسلم
"يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" "لن يشاد هذا الدين أحد إلا
غلبه" "الدين يسر" وهذا ما يجعلنا نفهم واقع وتنزيل الآية الكريمة:
"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن".
ـ الاهتمام بالسيرة للانتفاع بها سواء في السلوك الفردي
أو في المعاملات.
صحيح أن الاحتفاء بالمولد النبوي، لم يعرف
إلا في القرن الرابع، ولكن الذكرى محطة لمراجعة النفس، وتشتمل على محاسن عدة.
فاللهم أدم علينا وعلى المسلمين نعمة محبتك ومحبة رسولك
الكريم صلى الله عليه وسلم ، ومن الدلائل على محبته الاقتداء به واتباع سنته،
وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وكثرة ذكره، ومحبة الكتاب الذي أُنزل عليه، وإمتاع
النفس بمعرفة سيرته العطرة.
مواضيع من مدونة "فقه الأسرة"
فوائد الاستغفار وأثره على الصحة النفسية
تعليقات
إرسال تعليق