فوائد الاستغفار وأثره على الصحة النفسية:
المخطئ في الإسلام لا يحتاج لتكفير ذنبه إلى اعترافٍ
لرجال دين، كما أن خطيئته لا تبقى ثابتة عليه، بل يكفيه الندم عليها والتوجه بطلب
الصفح والمغفرة من الله. يقول سبحانه وتعالى: "ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم
يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما" النساء:110.
وقد كان من سنته
صلى الله عليه وسلم أن يستغفر في كل يوم أكثر من سبعين مرة، قال عليه السلام فيما
رواه البخاري: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين
مرة".
والمرء لا يخلو من
اقتراف ذنوب الجوارح كاللسان والعين والأذن، أو ذنوب القلب كالكبر والحسد. لذلك
شُرِع طلب العفو والغفران ممن سمى نفسه سبحانه الغفور.
ومن فقه هذا الاسم
الجليل: الإكثار من الاستغفار، والوعي بأهمية التغافر فيما بيننا، ونشر قيمة الصفح
والتجاوز عن الخطأ.
معنى الاستغفار:
الاستغفار هو طلب المغفرة، ومعناه الستر، غَفر أي ستَر،
وهو أيضا التجاوز عن الذنب، وعدم ترتيب العقوبة أو التوبيخ عليه.
واسم الله الغفور
الذي يتجاوز عن ذنوب عباده، ويستر عيوبهم وزلاتهم، وهو كثير المغفرة، وجاء على
صيغة المبالغة ، لأنه سبحانه يغفر الذنوب مهما كثرت، ويمحو الخطايا مهما عظمت.
والغفار هو الذي أظهر الجميل، وستر القبيح في الدنيا، وتجاوز عن عقوبته في الآخرة.
الغافر من يغفر
المرة الواحدة، والغفور الذي يغفر مرات متعددة، والغفار الذي يغفر المرات المتعددة
والمتكررة.
الاستغفار في نصوص الوحي وأقوال السلف:
إن المتدبر لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،
يتبين استحباب كثرة الاستغفار حيث
أمر به الله سبحانه:
"واستغفروا الله إن الله غفور رحيم" المزمل:10، وقوله عز وجل: "وأن
استغفروا ربكم ثم توبوا إليه" هود:90، "ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم
يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما" النساء 110.
كما مدح عز وجل المستغفرين
بقوله: "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا
لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله" آل عمران:135، "والمستغفرين
بالأسحار" آل عمران:17.
ويخاطب الله نبينا
محمدا صلى الله عليه وسلم: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله
معذبهم وهم يستغفرون" الأنفال:33.
ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى في الحديث القدسي: "يا بن
آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت
ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك
بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" رواه الترمذي وصححه ابن القيم والألباني، لذلك
كان من أعظم الذنوب أن يستعظم الإنسان ذنبه على الله، فيعتقد أن الذنب الكبير الذي
اقترفه لا يُغتفر. ومن عظيم الذنب أيضا أن يتألى أحدهم على الله فيقول بأن فلانا
سوف لن يغفر الله آثامَه، في حين أن الله غافر الذنوب مهما عظمت وكثرت بل وتكررت،
وفوق كل ذلك يفرح سبحانه باستغفار عبده وتوبته.
ومما حسنه ابن حجر وغيره قوله صلى الله عليه
وسلم: "طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا".
وعن ابن عباس رضي
الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له
من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب" رواه أبو داود.
كما اعتبر علي رضي الله عنه الاستغفار نجاةً في قوله:
"عجبت لمن يهلك ومعه النجاة قيل: وما
النجاة ؟ قال : الاستغفار".
وكان بعض الصحابة
رضوان الله عليهم يقولون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم: "كان لنا أمانان ذهب
أحدهما وهو وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بيننا وبقي الاستغفار معنا فإن ذهب
هلكنا".
ومما ذكره الإمام
القرطبي عن ابن صبيح قال: "شكا رجل إلى الحسن البصري جذب الأرض فقال له:
استغفرِ الله، وشكا آخر إليه الفقر فقال له: استغفرِ الله، وشكا إليه آخر جفاف
بستانه، فقال له: استغفرِ الله.فقال له الربيع بن صبيح: أتاك رجال يشكون أنواعا
فأمرتهم كلهم بالاستغفار، فقال: ما قلت من عندي شيئا إن الله عز وجل يقول في سورة
نوح: "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم
بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا" نوح:10ـ12.
قال ابن تيمية:
"والله إنها تشرد علي المسألة, فاستغفر الله أكثر من ألف مرة فيفتحها الله
لي".
حكم الاستغفار:
الاستغفار واجب بعد الذنب، مستحب بعد العمل الصالح، وفي
كل الأوقات والحالات. فالاستغفار ملاذ المذنبين ودأب الصالحين. قال الحسن البصري:
"أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم، وفي طرقاتكم، وفي أسواقكم وفي
مجالسكم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة".
ثمار
الاستغفار:
ورد في كلام الله عز وجل، أن الاستغفار عبادة لها ثمار
شتى، عاجلة وآجلة فهو:
ـ راحة للجسم
وانشراح للصدر، وتفريج للكرب، "يمتعكم متاعا حسنا".
ـ قوة للجسم،
"ويزدكم قوة إلى قوتكم".
ـ مدعاة لنزول
الغيث والرحمة، " يرسل السماء عليكم مدرارا".
ـ تؤتى به كل
البركات، يهب بمشيئته سبحانه الأبناءَ والذرية لمن كان عقيما، "ويمددكم
بأموال وبنين".
ـ فيه تكفير
للسيئات وزيادة للحسنات، "من يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد
الله غفورا رحيما"، وقوله سبحانه: "وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد
المحسنين".
فالاستغفار مفتاح الرزق، مدعاة الفرج والسعادة، وهو باب
كل خير مرغوب في الدنيا والآخرة، الاستغفار مفتاح الخير كله. ولا غرابة في ذلك
لأنه اعتراف بالخطأ وطلب للصفح، وتوبة عن الذنب، وقد قال صلى الله عليه وسلم:
"إن العبد ليحرم الرزق بالذنب" و"ما أصر من استغفر".
أثر الاستغفار في علاج النفس:
الاستغفار يؤدي إلى تغيرات بيوكيميائية في الجسم، من
بينها ارتفاع معدلات هرمون السعادة، حيث يشعر المستغفر بالطمأنينة وراحة البال،
فالاستغفار إذن باب من أبواب الصحة النفسية.
وقد قيل إنه ما في
القرآن الكريم أعظم فرجا لنفسية المؤمن من هذه الآية: "قل يا عبادي الذين
أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو
الغفور الرحيم" الزمر 53. لأنها تفتح باب الرجاء على مصراعيه. فالمغفرة
يمنحها الله لكل من تاب وأناب إليه مهما اقترف من آثام.
فإيمان الإنسان بأن الله يغفر الذنوب جميعا، من ضمن
وسائل العلاج النفسي المستحدثة التي لم يستعِن بها الطب إلا في العصر الحديث. فقد
قرر علماء النفس أن الشفاء من كافة العقد النفسية في التحليل النفسي، يتم
بالاعتراف بكل الأخطاء، وهذا الاعتراف عمل نفسي له آثار سلوكية، يكشف عن أخطاء
المريض فيراها ويشعر بها، فتحدث مهادنة بين النفس والضمير، واستشعار الإنسان العفو
والصفح بينه وبين الذات، فيُسهِم ذلك في إزالة العقد النفسية، كما يقول المختصون:
"والعقد النفسية ليست وهما، فكثيرا ما تسبب هذه العقد الصداع واضطرابات القلب،
وأمراض الضغط العالي وغيرها من الأمراض...وإذا كان علاجها هو الإعتراف بالخطأ أمام
الطبيب ليتسامح الضمير...فأي فرق بين الاعتراف أمام الله وأمام الطبيب، وأي فرق
بين غفران الله وتسامح الضمير".
فالاعتراف بالذنب وطلب الصفح والغفران مُذهِب للحزن
والهم والغم، انظر إلى اعتراف النبي يونس عليه السلام في جوف الحوت، حين كانت
نتيجة ذلك الاعتراف بالذنب، تخليصا له من الهم والحزن في قوله تعالى: "وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن
أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين" الأنبياء 87ـ88.
وفي الآية إرشاد
للمؤمنين بسلوك نفس الطريق، والأخذ بهذا الهدي، للتخلص مما قد يشعرون به من ضيق
وحرج نتيجة اقتراف الإثم، عندما قال سبحانه: "كذلك ننجي المؤمنين".
أهمية الاستغفار عند النوم:
ما أوصانا الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم بالاستغفار عبثا، وإنما لكسب تلك الثمار والفوائد
المتنوعة والمتعددة، وسر الإكثار منه عند النوم مع مختلف الأذكار، فيما توصل إليه العلم
الحديث، أن الجسم فيه عدة خزانات للفرح وللحزن، قد تقض المضجع وتذهِب النوم، لذلك
أمر صلى الله عليه وسلم بالاستغفار قبل النوم. لأن الإنسان عند الاستغفار، ينشغل
بالذكر عن الأفكار السلبية التي قد تهجم على الذهن، ويتحرك اللسان أثناء الاستغفار
إلى الأعلى عند منتهى الأسنان، ليضرب في الغدة النخامية، فيعتدل المزاج، وتتطهر
الخلايا من الأفكار السلبية، ويشحن الجسم من جديد بالأكسجين، فيحصل النائم على
الهدوء والطمأنينة فيخلد إلى النوم، ناهيك عن أن الاستغفار اعتراف بالذنب بيقين
الصفح والتجاوز عن الذنب.
أفضل صيغ الاستغفار:
سيد الاستغفار:
"اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما
استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه
لا يغفر الذنوب إلا أنت".
افتُتحت صيغة سيد
الاستغفار بـ"اللهم" وهي للدعاء والنداء والتضرع والالتجاء، أصلها يا
الله، والنداء للسميع العليم. "أنت ربي" إقرار بالربوبية."لا إله
إلا أنت" إقرار بالوحدانية لله سبحانه. "خلقتني" إقرار بالعبودية.
"وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت" إقرار بتجديد العهد مع الله وإقرار
بالعجز مع طلب العون. "أعوذ بك من شر ما صنعت" إقرار بارتكاب المعصية. "أبوء
لك بذنبي" اعتراف لله سبحانه بالخطأ.
إن في صيغة سيد الاستغفار توجيه للمؤمن المستغفر بالبدء
بالثناء على الله، ثم يثني بالاعتراف بذنبه وتقصيره، وبضعفه وافتقاره إلى عون
الله، بعدها يسال الله المغفرة.
أفضل أوقات الاستغفار:
أفضل أوقات الاستغفار السحر قبل الفجر لقوله تعالى:
"...والمستغفرين بالأسحار"، وقوله سبحانه: "وبالأسحار هم
يستغفرون".
الاستغفار بعد
إتمام الطاعات، إثر الصلاة وبعد عرفة:
"أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله".
كما يعتبر
الاستغفار كفارة للمجلس فخير ما يختم به المجلس هو ما صح عن الرسول صلى الله عليه
وسلم: " سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك".
طريقة الاستغفار:
طريقة الاستغفار ليست ببغاوية وإنما تكون باستشعار لطلب
الصفح، واستحضار للذهن والقلب، مع خشوع وخضوع لله عز وجل، تخيل معي أحدهم يطلب
شيئا دون توجه للمقصود، ودون استحضار معنى لما ينطق به، أو يتأسف لآخر بترديده
لكلمة آسف آسف دون استحضار معنى لقوله، فهل
سيقبل اعتذاره؟ فكذلك ـولله المثل الأعلى ـ طلب الغفران وغيره من أنواع الذكر. فاستشعار
الاستغفار أهم من التكرار.
فإذا كان الصحابة يكثرون الاستغفار وهم الذين ما تركوا
بابا للخير إلا سلكوه، فحري بنا أن نستغفره ونحن نقترف الذنوب ليل نهار.
فالاستغفار كالبحر يقرب إلينا كل خير ويقذف به إلينا.
فعلينا إذن بالإكثار من
الاستغفار، فاللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها، صغيرها وجِلها، سرها وعلانيتها، واغفر
لنا ما قدمنا وما أخرنا، واجعلنا سبحانك ممن قلت فيهم : "والذين إذا فعلوا
فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله، فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله
ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم
مغفرة من ربهم" آل عمران 135ـ136.اقرأ أيضا:
وقفة مع اسم الله "السلام"
أسرار عبادة الشكر
فوائد التسامح الصحية: النفسية والجسدية
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذف#جزاك الله خيـرا
ردحذفوجعله في ميزان حسناتك
آنآر الله قلبك بالآيمآن وطآعة الرحمن
دمت بحفظ الرحمن
شكر الله لك أختي مرورك الطيب، أمتعتني زيارتك للمدونة، وتثبيتك للتعليق العطر.
حذف#جزاك الله خيـرا
ردحذفوجعله في ميزان حسناتك
آنآر الله قلبك بالآيمآن وطآعة الرحمن
دمت بحفظ الرحمن
#جزاك الله خيـرا
ردحذفوجعله في ميزان حسناتك
آنآر الله قلبك بالآيمآن وطآعة الرحمن
دمت بحفظ الرحمن