الصفحات

القائمة الرئيسية

فوائد التسامح الصحية: النفسية والجسدية

فوائد التسامح الصحية: النفسية والجسدية

فوائد التسامح الصحية: النفسية والجسدية

ـ مفهوم التسامح
ـ مواقف من تسامح الرسول صلى الله عليه وسلم
ـ هل العفو والتسامح دائما محمود؟
ـ فوائد التسامح الصحية: النفسية والبدنية
ـ كيف أسامح وأصفح؟

تعريف التسامح:

التسامح في اللغة من السلاسة والسهولة، وفي الاصطلاح هو بذل ما لا يجب تفضلا من لين وسهولة ورفع مشقة.

التسامح في الإسلام:

التيسير والتسهيل أصل في الإسلام، وخاصية من خصائصه، ومظاهر ذلك جلية في العبادات والمعاملات، قال تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين". لقد جاءت تعاليم الشريعة الإسلامية، بالمحافظة على العلاقات من التصدع، وإغلاق الطرق الموصلة إلى الشقاق والخلاف والفرقة.
وفي مقدمة من سلك هذا النهج، رسول الله صلى الله عليه وسلم، واقتدى به كل صاحب نفس كبيرة وهمة عالية، احتمالا للناس وصبرا عليهم، والتغاضي عن هفواتهم، فوَسِعوا الناس بأخلاقهم، وحسن معاملتهم.
فعندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة منتصرا، والمشركون ينظرون إليه، وقلوبهم مرتجفة خشية أن ينتقم منهم، أو يأخذ بالثأر قصاصا عما صنعوا به وبأصحابه، خاطبهم صلى الله عليه وسلم قائلا: "يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم، قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
وبينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في المسجد إذ قال : "يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فأخذ الصحابة يترقبون هذا الرجل الذي سيدخل، فدخل رجل بسيط ليس ذو مال ولا جاه، وهو سعد بن مالك، وعندما خرج، تبعه عبد الله بن عمر بن العاص، واستُضِيف عند الرجل ثلاثة أيام حتى يرى ما يتميز به من عمل صالح، وبماذا استحق الجنة، فلم يجده قواما ولا صواما، وعندما انتهت الثلاثة أيام، قال ابن عمر للرجل: قد قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جالسون معه، أنه سيدخل عليكم رجل من أهل الجنة، فلم أجدك كثير الصلاة ولا كثير الصيام، فقال الصحابي: هو كما قلت، ولكنني كل يوم قبل أن أنام في فراشي، أسامح وأعفو عن كل من أخطأ بحقي.
وموضوع التسامح مهم تعظم الحاجة إليه حين تمر بنا محن التناحر، فتُحل الروابط، وتتصدع جدران الثقة بين الأفراد، عبر منافذ الشك والتخوين وتصفية الحسابات.ولا يمكن مقاومة هذه الأمراض إلا بالتسامح، والغض عن الهفوات.

إنما السؤال الذي يطرح نفسه، هل العفو دائما محمود حتى ولو تمادى المسيء في الإساءة؟

الجواب أن الهدف من العفو، هو الإصلاح، فإن لم يتحقق مع تكرار العفو، وتمادى المسيء إلى درجة تُسبب الأذى البالغ للمساء إليه، هنا وجب الأخذ بالحق والمطالبة بعقوبة المسيء.وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي للمؤمن أن يُذل نفسه" قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال عليه السلام: "يتعرض من البلاء لما لا يطيق".
أي أن الإنسان لا ينبغي له أن يترك نفسه، تتعرض للإساءة والإهانة باستمرار، زاعما أن الشرع قد حث على العفو، فكما حث سبحانه على العفو، فقد شرع أيضا  القصاص، "فالعين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص"، حينما يستدعي الأمر ذلك. فينبغي التمييز لأن كل فضيلة إلا وهي بين رذيلتين.

ومن الروابط التي يجب بناؤها على المسامحة:

ـ طلب السماح من الله: فأولى الخطوات هي طلب السماح من الله سبحانه، يقول الحق جل في علاه: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم" الزمر: 53.
ـ التسامح مع النفس: فبعد طلب العفو والسماح من الله، لا بد أن يسامح الإنسان نفسه، ويسامح ماضيه، إن كان فيه ما يقلق، ويزيل عن عاتقه آلام الماضي ويشرع من جديد. فلا يمكن لأي قدر من الأسى أن يغير ما مضى.
ـ التسامح مع الوالدين: على ما قد يصدر منهما، ومصاحبتهما في الدنيا بالمعروف، والدعاء لهما ظهر الغيب. ( فاللهم ارحم والدينا كما ربونا صغارا، واجزهم بالإحسان إحسانا، وبالسيئات عفوا وغفرانا).
ـ التسامح مع أفراد الأسرة جميعهم، من الأخوة والأخوات، وتحضرنا قصة يوسف عليه السلام، بعدما ألقاه إخوته في البئر، ثم ألقي به في السجن سنوات طوال، لكنه سامح إخوته حينما قالوا له: "قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين" يوسف:91 92.
ليس هذا فحسب، بل قام عليه السلام، بإلقاء اللوم على غيرهم، وليس عليهم حين قال: "ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم" يوسف: 100.
ـ التسامح مع الناس، فالله سبحانه عفو يحب أهل العفو: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" آل عمران: 134.

كيف أسامح وأصفح:

قد يقول قائل بأنه لا يستطيع المسامحة، فالأمر فيه شيء من الصعوبة، وليس متاحا وميسرا للجميع.
إنه فعلا لأمر شاق يحتاج إلى صبر وعزيمة وعون من الله، ولصعوبته فإن الله رفع قدر من يتحلى به فقال: "وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" مباشرة بعد قوله سبحانه: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".
لعل أقصر طريق لتعلم الصفح والعفو هو الاعتقاد بعفو الله علي، وبأنه سيتجاوز عني كل سيئاتي مهما عظمت، بإذنه سبحانه، حيث يقول: "وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم" النور: 22. فالجزاء من جنس العمل.ويقول عز وجل: "وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم" التغابن: 14.   
ـ ذكر إيجابيات الشخص وذكر ما سلف من جميله "ولا تنسوا الفضل بينكم".
ـ معرفة نقص البشر وتعرضهم للخطإ في أي لحظة.
ـ تذكر أخطائي، وكم أتمنى لو سامحني أصحاب الحقوق.
ـ التعرف على دوافع الخطأ، والتماس الأعذار، كالخطأ عن غير قصد، والجهل والإكراه والضعف والخوف، فالمؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثراتهم.
ـ أحاول أن أشغِل نفسي بمعالي الأمور، وتجاهل توافهها.
ـ ثم إن من الدوافع التي تحملني على العفو والتسامح، العلم بفوائده الآجلة والعاجلة.

فوائد التسامح:

نعلم طبعا بأن كل ما أمرنا به القرآن الكريم، فيه النفع والخيروالمصلحة، وكل ما نهانا عنه فيه الشر والضرر فما هي فوائد التسامح الصحية؟ وما ذا وجد العلماء والمهتمون بسعادة الإنسان حديثا، من حقائق علمية حول ذلك؟
 التسامح من الصفات النبيلة، التي تساعد على نشر المحبة بين الناس، وتقضي على العداوة والبغضاء، والأحقاد، وتعزز أواصر التعاون بين أفراد المجتمع، ولا تقتصر الفوائد التي يجنيها الإنسان من التسامح على علاقاته بالآخرين، بل ينعكس بشكل إيجابي أيضا على صحة المتسامح، وقد أكدت الدراسات العلمية الحديثة، العلاقة الوطيدة بين العفو والصفح، وبين صحة الإنسان. ومن الفوائد الصحية للتسامح:
ـ تهدئة نوبات الغضب، فقيمة التسامح لها دور كبير في السيطرة على مشاعر الغضب، ومن ثمة الإحساس بشيء من الهدوء والسكينة.
ـ الحد من حالات القلق والاكتئاب المسببة للأرق وقلة النوم، بانخفاض المشاعر السلبية والرغبة في الانتقام.
ـ تعزيز مناعة الجسم، لمقاومة الأمراض. فقد أكدت الدراسات الحديثة بأن الممارسات الإيجابية، تقود إلى تحسن أداء النظام المناعي للجسم، حتى ولو كانت مجرد كلمة طيبة، أو ابتسامة ترسمها على محياك، ولذلك اعتبرت صدقة في ديننا الحنيف.
ـ تحقيق الهدوء النفسي والاستقرار الداخلي، لسلامة القلب من كثرة العتاب والخصومات. فعندما يغضب الفرد يكون عرضة بنسبة عالية، لارتفاع ضغط الدم. لذلك ينصح الخبراء بخصلة التسامح، فذلك ينعكس بشكل إيجابي على صحة الإنسان، فالحقد والرغبة في الانتقام، يؤدي إلى إجهاد القلب، الذي يعتبرأكثر أجزاء الجسم تضررا من الانفعالات السلبية، والعكس صحيح أيضا، حيث يتحسن تدفق الدم، ويستقر عمل القلب، بالتخفيف من إفراز هرمون الإجهاد (الكورتيزول).
ـ التسامح والعفو يترك أثرا إيجابيا على الدماغ، بالتقليل من أثر المشاعر السلبية، على خلاياه.
ـ وفيه تحقيق للعافية  بصفة عامة، فقد قيل: (إن العافيةَ تسعةُ أعشار كلها في التغافل)، كما قال الشاعر:
وإذا ابتُليت بشخص لا خَلاق له  //  فكن كأنك لم تسمع ولم يقلِ
إن فقدان القدرة على التسامح هو في حد ذاته ظاهرة مرضية تؤثر سلبا على صحة الإنسان، فالتوتر العصبي الناتج عن عدم المسامحة يضر بالجهاز الهضمي والأوعية الدموية والجهاز المناعي والهرموني والعضلي.
فالشخص الذي يعجز عن العفو والصفح، قد يظن أنه معاقب لغيره، لكنه في الواقع المتضرر الأكبر، لعدم قدرته على المسامحة، وهو أشبه بمن يتجرع السم ويتوقع أن يؤذي به غيره.
 ذلك غيض من فيض الفوائد والآثار الإيجابية على صحة الإنسان المتصف بخصلة التسامح، زد على ذلك الكثير من المنافع العاجلة والآجلة:
ـ الحصول على الأجر العظيم الذي لا يعلم قدره إلا الله سبحانه، فمن عفا وأصلح فاجره على الله.
ـ تحقيق العزة والانتصار على النفس، فما زاد الله عبدا بعفو إلا عِزا، ولأن تكون مظلوما تنتظر النصر، خير من أن تكون ظالما تنتظر العقوبة.
ـ التفرغ للنفس وإصلاح عيوبها.
ـ بقاء الهيبة لأن من حاسب على كل شيء، هانت نفسه وتجرأ عليه الأراذل، وقد قيل: "عظموا أقداركم بالتغافل".
ـ إبقاء المودة فمن كثٌر عِتابه قل أصحابه.

لمزيد تصفح مشاركات المدونة:

هل اعجبك الموضوع :
مدونة تعليمية تربوية، تعنى بالأحكام الفقهية الخاصة بالمرأة، وكل ما يتعلق بها من ثقافة ومعرفة

تعليقات