الصفحات

القائمة الرئيسية

من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه

من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه

من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه:

إن في السنة النبوية الشريفة أنوارا هادية إلى الصراط المستقيم، كما فيها بيانا لمواطن الخلل، والنقص، المؤديين لإفساد العلاقة بين الأفراد،  من ذلك حرص الرسول صلى الله عليه وسلم، على النهي عن  التطفل على أخبار الناس وأحوالهم، والتطلع إلى أسرارهم الخاصة. حيث قال فيما رواه الترمذي: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".

معنى الحديث:

وإحسان الإسلام معناه أن يأتي المرء بالواجبات، ويجتنب المحرمات، وهي مرتبة المقتصدين، يقول سبحانه: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير" فاطر:32، فالمقتصد إذن هو الذي التزم ما أمر الله به واجتنب ما نهى عنه عز وجل. وقيل بل هو مقام المراقبة، لأن إحسان الإسلام هو أن تعبد الله كأنك تراه.
إذن فمن حسن إسلام المرء الاهتمام بما يعنيه، وترك ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال، لأن الاشتغال بكل ذلك، ذريعة لأن يفرط في واجب، فمعنى الحديث أن من لم يترك ما لا يعنيه، لا يكون من أهل إحسان الإسلام. لأن من كان منشغلا بواجباته انتهى حتما عما لا يعنيه. وأن أهل الإحسان في مقام المراقبة، منشغلون بإحسان العمل الظاهر والباطن عما لا يعنيهم.

أهمية الحديث:

يعتبرالحديث أمارة يقيس بها المرء إسلامه ومدى التزامه به، فالتدخل فيما لا يعني مقياس دقيق لقياس درجة حسن الإسلام. كما يعتبر قاعدة عظيمة فيما ينبغي الاشتغال به، وما يجب تجنبه. والحديث مطلب مهم لتربية النفس والارتقاء بها، فكلما زاد اشتغال الإنسان بربه قل انشغاله بالناس.

أقوال العلماء في الحديث:

الحديث له منزلة جليلة، جعله الدارقطني من أصول الحديث. وهو كما قال عنه الحافظ ابن رجب رحمة الله على الجميع، أصل من أصول الأدب، وحكي عن أبي زيد القيرواني المالكي أنه قال: "جماع آداب الخير وأدلته تتفرع من أربعة أحاديث، (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)، (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، وقوله صلى الله عليه وسلم لمن طلب منه الوصية: (لا تغضب) وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)".

سنده من القرآن الكريم:

عني الإسلام بموضوع الكلام، لأن الكلام الصادر عن الإنسان يشير إلى حقيقة عقل المتكلم، وطبيعة خلقه. فينبغي أن يسائل المرء نفسه قبل أن يتحدث، عما إذا كان هناك ما يستدعي الكلام، وإلا فالصمت أولى به، وإعراضه عن الحديث حيث لا ضرورة له، عبادة جزيلة الأجر. قال سبحانه: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما"النساء:114.
وفي سورة الكهف إذ يبين عز وجل الأمر على أنه منهج حياة: "سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم  ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراءً ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا" الكهف:22.
 بل إن القرآن الكريم يجعل الحرمان مع الأدب، أفضل من العطاء مع البذاءة في الكلام: "قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم"البقرة:263.

دعائم من السنة والسيرة:

قال صلى الله عليه وسلم: "أول من يدخل عليكم رجل من أهل الجنة، فدخل عبد الله بن سلام، فقام إليه ناس فأخبروه وقالوا: أخبرنا بأوثق عملك في نفسك: قال: "إن عملي ضعيف، وأوثق ما أرجو به سلامة الصدر وتركي ما لا يعنيني".
إن الاشتغال بما لا يعني، يدل في الدرجة الأولى، على التفرغ من الاشتغال بما يعني، لا هو في أمر دنياه ولا في آخرته. قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إني لأكره أن أرى الرجل فارغا ليس في عمل آخرته ولا دنياه".
وجاء في الحديث: "إن الله عز وجل كريم يحب الكرم ومعالي الأخلاق ويكره سفاسفها". وقال ابن القيم: "ومن أعظم الأشياء ضررا على العبد، بطالته وفراغه، فإن النفس لا تقعد فارغة، بل إن لم يُشغِلها بما ينفعها، شغلته بما يضره ولا بد".

من توجيهات الصحابة والسلف:

إن أول مراحل الاستقامة، ترك ما لا شأن لنا به. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "والذي لا إله غيره، ما على ظهر الأرض شيء، أحوج إلى طول سجن من لسان".
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: "تجنب خمسا لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنه فَضل، ولا آمن عليك الوز. ولا تتكلم فيما لا يعنيك حتى تجد له موضعا، فإنه رب متكلم في أمر يعنيه، قد وضعه في غير موضعه فعنت. ولا تمار حليما ولا سفيها، فإن الحليم يقليك، وإن السفيه يؤذيك، واذكر أخاك إذا تغيب عنك بما يُحب أن يذكر به، واعفه مما تحب أن يعفيك منه".
وعن أنس بن مالك قال: "توفي رجل، فقال رجل آخر، ورسول الله يسمع: أبشر بالجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو لا تدري؟ فلعله تكلم فيما لا يعنيه، أو بخل بما لا يُغنيه".
ونظم الشافعي في أبيات قائلا: وعمدة الخير عندنا كلمات//أربع قالهن خير البرية
                                               اتق الشبهات وازهد ودع ما//ليس يعنيك واعملن بنية
وذكر ابن القيم أن النبي صلى الله عليه وسلم: "جمع الورع كله في هذا الحديث". وقال عمر بن عبد العزيز: "من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه".
ووعظ عطاء بن أبي رباح أصحابه فقال: "إن من قبلكم كانوا يعدون فضول الكلام، ما عدا كتاب الله أو أمر بالمعروف أو نهي عن منكر.." .

ما هي الأمور التي لا تعنيني؟

ـ أمور لا تهمني في أصلها، كشؤون الأشخاص، وخصوصياتهم في كيفية معايشهم، ووجهات ذهابهم و إيابهم، ومقدار تحصيلهم من الدنيا، وتفاصيل أحوالهم وأولادهم، ومشكلاتهم، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يكره لكم ثلاثا... وقيل وقال وكثرة السؤال"، قال النووي في شرح الحديث: وأما قيل وقال، فهو الخوض في أخبار الناس، وحكايات ما لا يعني من أحوالهم وتصرفاتهم. إلى غير ذلك من فضول كلام، وأسئلة وبحوث قد يضيق بها المسؤول ذرعا، إن كذب أثم، وإن صدق أحرج، أو ربما كشف سرا، ولا يجني السائل من ورائها إلا ضعفا في دينه ونقصا في خلقه، وخير جواب لهذا الفضولي كما قيل، "هو السكوت والإعراض، أو التذكير بمثل هذا الحديث، ولا بأس من رد سؤاله عليه".
إذا كان هذا في سؤال الناس أحوالهم فكيف بالنسبة للتجسس عليهم وتتبع عوراتهم، وزلاتهم، وإشاعتها بين الناس.
ـ من الأمور التي لا ينبغي السؤال عنها، العبادات التي يسرون بها مع خالقهم، وعن معاصيهم وعن حسن أحوالهم.
ـ مما لا يعني أيضا، الاشتغال يالتحسر على ما فات من أمور الدنيا مما لا يحقق فائدة، ويدخلك في دائرة الحزن والألم.
ـ ترك النظر إلى ما لا يعني أيضا .

أما ما يجب الاشتغال به: الأمور المتعلقة بضرورات حياته، في معاشه وسلامة معاده. من علم نافع وعمل صالح لنفسه ومحيطه. وكل ما وراءه جلب مصلحة للفرد أو لغيره، أو دفع مضرة عنه أو عن غيره. وكذلك كل ما يقتضيه أنسه لنفسه ولمحيطه.

فوائـد عدم التدخل فيما لا يعني:

فائدة اجتماعية: الاشتغال بأمور الغير يفضي إلى التخاصم وقطع العلاقات، ويجعل الإنسان مبغضا ثقيلا على الناس، وقد يُسمع المرء ما لا يروقه "من تدخل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه".
فائدة أخلاقية: التدخل فيما لا يعني يقلل من قيمة الإنسان الأخلاقية، ويحط من كرامته. ويفضي به إلى رذيلة التجسس والغيبة.
فائدة نفسية: ترك ما لا يعني يمكننا من راحة نفسية تامة، فالفضولي يكون قلقا دائم الاستفسار ما سر علاقة فلانة بفلانة؟ من أين اكتسب...؟
كما أن من فوائد الانتهاء عن الخوض فيما لا يعني: عدم تضييع الطاقة فيما لا يعود بالنفع، وهو تضييع للوقت أيضا. لذلك يقال في الدارج من القول عندنا : الإكثار من "الهدرة" وهي من الهدر أي التضييع، أنفق الوقت فيما لا طائل من ورائه.

خلاصـــــة:

 ما يعني المرء أن يُقبِل على نفسه فيحسن إليها وينشغل يتهذيها، وتزكيتها والرقي بها، وعلى عمله فيجيده، ويحسنه، وعلى حقوق الله وحقوق عباده فيؤديها ويصونها. كما يدخل فيما يعنيه، كل ما يروح به عن النفس من عناء العمل، ومشاغل الحياة، قال صلى الله عليه وسلم: "أجموا هذه القلوب، والتمسوا لها طرائف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان" أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.

المراجـــــع: 
جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر
جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي

مشاركات قد تهمك من مدونة "فقه المرأة":
وقفة مع اسم الله "السلام"
إمامة المرأة للنساء
الرطوبة المهبلية هل تنقض الوضوء؟
هل اعجبك الموضوع :
مدونة تعليمية تربوية، تعنى بالأحكام الفقهية الخاصة بالمرأة، وكل ما يتعلق بها من ثقافة ومعرفة

تعليقات