فوائد التفاؤل:
معنى التفاؤل:
التفاؤل مصدر تفاءل، وهو نزوع واستعداد نفسي يهيء لرؤية
جانب الخير في الأحداث والتوقعات، ضد التشاؤم، والتفاؤل تفكير إيجابي، وهو اعتقاد
ومنهج حياة. ، لا مجرد توقع الخير دون طلب وعمل لنيله، فتلك مجرد أحلام. ومنه
الفأل بالأشياء، إلا أن الفأل يصنف إلى ممدوح ومذموم.
الفأل الممدوح:
وهو الفأل الحسن، ففي سنن ابن ماجة عن أبي هريرة قال:
"كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن ويكره الطيرة"، وفي
صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: "لا طيرة وخيرها الفأل، قالوا: وما الفأل يا
رسول الله؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم".
فالفأل الممدوح كاستبشار
المريض بسماع "يا مشفي" أو الذي عليه ضائقة فيسمع "يا واجد يا
رزاق".وكذلك تعليل قلب اللباس في صلاة الاستسقاء بتبديل الأحوال. وتغيير
الجنب الذي ينام عليه الذي حلم بشيء مزعج. وقول "تُبلي ويُخلِف الله
علي" عند لبس الجديد، وهو تفاؤل بطول العمر.
الفأل المذموم:
أما الفأل المذموم، فهو الذي يسعى إليه الإنسان قصدا،
كرجل يريد أن يقدم على مشروع من تجارة أو زواج مثلا، فيفتح مصحفا فإذا رأى آية
رحمة تفاءل واستبشر، وإذا رأى آية عذاب تشاءم وترك.
وكذلك الفأل
بالأرقام، كحدث وقع في يوم معين يجلب السعد. ومن ذلك التفاؤل بحكة اليد اليمنى، كل
ذلك لا أصل له. ويدخل في الفأل المذموم.
القرآن أعظم مصدر للتفاؤل:
فهو يبث الأمل، ويمنح السرور، ويبعث على التفاؤل مهما
كانت المصائب والأحزان، يقول سبحانه: "إن مع العسر يسرا" كما وردت آيات
كثيرة تبث الأمل والتفاؤل، كقوله سبحانه: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم
الأعلون إن كنتم مؤمنين" آل عمران:139. ومن ذلك أيضا ما ورد فيه عن تفاؤل
الأنبياء.
تفاؤل الأنبياء:
ـ إبراهيم عليه
السلام بعد أن صار شيخا لم يفقد الأمل في الولد "رب هب لي من الصالحين فبشرناه
بغلام حليم" الصافات 100.
ـ تفاؤل زكرياء
عليه السلام: كان شيخا مسنا ولم يُرزق الولد، فدعا ربه، فرزقه يحيى على شيخوخته،
وأصلح له زوجه، قال تعالى: "وزكرياء إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير
الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في
الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين" الأنبياء 89 .
ـ تفاؤل يعقوب
عليه السلام: فقد ابنه يوسف ثم أخاه، فصبر على محنته، ولم يقنط بل تفاءل ورجا:
"فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم" يوسف 83.
ـ تفاؤل أيوب:
أذهب الله ماله فصبر، أهلك الأولاد فصبر، تسلط البلاء والمرض فاحتسب. حتى مر عليه
قوم فقالوا: (ما أصابه إلا بذنب عظيم)، فعند ذلك تضرع إلى الله ولم ييأس بل ظل
متفائلا فكُشف عنه الضر: "وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم
الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا
وذكرى للعابدين" الأنبياء 83ـ 84.
تفاؤل الرسول صلى الله عليه وسلم:
من صفاته النبيلة، وخصاله الحميدة التي حباه الله، صفة
التفاؤل، حيث كان عليه الصلاة والسلام، متفائلا في كل أحواله في حربه وفي سلمه في
جوعه وعطشه، حتى في أصعب الأحوال. فهو الأسوة صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه:
"لقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر
الله كثيرا" الأحزاب:21. وقد كان عليه الصلاة والسلام يُعجبه الفأل الصالح والكلمة
الحسنة. روت لنا كتب السيرة تفاؤله صلى الله عليه وسلم في أوقات ومواقف عسيرة جدا،
منها.
ـ حينما كان صلى
الله عليه وسلم مهاجرا إلى المدينة مع أبي بكر الصديق، لما طاردهما سراقة، دعا
عليه صلى الله عليه وسلم فتعثرت قوائم فرسه، وهو مطارد صلى الله عليه وسلم يخاطب مبشرا: "كيف بك يا سراقة إذا سورت
بسواري كسرى"، أي أنه ستفتح بلاد فارس وستكون لك أسورة كسرى ملك الفرس. وقد
أسلم سراقة بعد ذلك، وتحقق له وعد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث ألبسه عمر رضي
الله عنه سواري ابن هرمز .
ـ ما حصل له مع
أبي بكر، وهما في الغار: "...اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما"،
"ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا"،
بالنصر والتأييد، إنه الصبر واليقين والتفاؤل الذي حمله على حسن الظن بالله
سبحانه.
ـ تفاؤله صلى الله
عليه وسلم عند حفر الخندق، وما صاحبه من حصار، وجوع وشدة برد، وتبشيره بفتح مدائن
كسرى وقيصر.
ـ تفاؤل بشفاء
المريض عند وضعه صلى الله عليه وسلم يده
على رأس المريض، وقول: "طهور إن شاء الله".
ـ كان عليه الصلاة
والسلام يحب التفاؤل، يسأل عن اسم الشخص، واسم البلد، فإذا كان حسنا استبشر صلى
الله عليه وسلم. وإذا كان غير ذلك قام
بتبديله، فهذه امرأة اسمها عاصية سماها جميلة، وآخر اسمه حَزْن سماه سهل،
كما غير أسماء كثيرة لأشخاص ومدن.
ـ وكان متفائلا
حتى في أشد الأحوال بعد عام الحزن وكان يقول: "ليُتِمن الله هذا الأمر حتى
يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه" رواه
البخاري.
ـ تبشيره بفتح
الشام والفرس والروم.
ـ عن عدي بن حاتم
قال : "بينما أنا عند رسول الله إذ أتاه رجل، فشكا غليه الفاقة، ثم أتاه آخر
فشكا إليه قطع السبيل، فقال: يا عدي هل رأيت الحيرة؟ قلتُ: لم أرها، وقد أُنبئت
عنها، فقال: إن طالت بك حياة لترين الظعينة –المرأة- ترتحل من الحيرة حتى تطوف
بالكعبة لا تخاف أحدا إلا اله، قلتُ في نفسي: فأين دعار طيئ –قطاع الطريق- الذين
سعروا في البلاد؟ ولئن طالت لك حياة لتفتحن كنوز كسرى، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال:
كسرى بن هرمز.." رواه البخاري. وقد طالت الحياة بعدي إلى أن كان ممن فتح بلاد
الملك كسرى.
كما اعتنى صلى
الله عليه الصلاة والسلام، بتعليم هذا المنهج التفاؤلي، لأصحابه رضوان الله عليهم
في مواقف عديدة.
ـ فحين مرض أحد
الأعراب عاده صلى الله عليه وسلم قائلا: "لا بأس طهور إن شاء الله" فأجاب
الأعرابي: "قلتَ طهور؟ كلا، بل هي حمى تفور، أو تثور على شيخ كبير تُزيره
القبور"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فنعم إذا".
ـ قال صلى الله
عليه وسلم فيما رواه مسلم: "إذا قال الرجل هلك الناس، فهو أهلكهم" أي
أسوأ حالا منهم. فيه نهي عن التشاؤم والتبخيس أيضا.
أهمية وفائدة التفاؤل:
للتفاؤل فوائد جمة، لو علمناها لأقلعنا عن التشاؤم، فهو يدفع
نحو العطاء والنجاح ويورث طمأنينة وراحة قلب للمتفائل ولمن حوله.
ـ التفاؤل من
أسباب السعادة، نظم الشاعر إيليا أبو ماضي قائلا:
قال: السماء كئيبة
وتجهمها // قلت ابتسم يكفي التجهم في السما
قال: الصبا ولى
فقلت له: ابتسم // لن يُرجِع الأسف الصبا المتصرما
ـ التفاؤل سبب
أساسي لتغيير الأنفس نحو الأفضل، بله تغيير المجتمعات. فهو دافع للنجاح، باعث على
العمل مهما كانت الظروف المصاحبة. كما أن التفاؤل صفة ملازمة للناجحين.
ـ التفاؤل سمة
للنفس السوية، يترك آثارا في تصرفات الإنسان، ويمنحه صحة نفسية وبدنية وعقلية
عالية.
أما التشاؤم فله
علاقة بالاعتلال النفسي، ومن ثم البدني أيضا.
هو ذلك السلوك
الذي يصنع به الرجال مجدَهم، فهو نور وقت اشتداد الظلمات، ومخرج عند اشتداد
الأزمات، ومتنفس عند ضيق الكربات.
وهذا ما حصل
للرسول صلى الله عليه وسلم ، تفاءل وتعلق برب الأرض والسماء، فجعل له من كل ضيق
مخرجا، بل ونصرا وتمكينا.
ـ يمنح القدرة على
مواجهة صعاب الحياة، والقدرة على اتخاذ القرارات. كما يجعل المرء أكثر مرونة في
العلاقات الاجتماعية، وأكثر قدرة على التأقلم في محيطه.
الإعجاز العلمي للتفاؤل:
ـأكدت الأبحاث
الطيبة الحديثة، أن التفاؤل مفيد في الحد من مخاطر القلب والشرايين.
ـ مساعد في السيطرة على التوتر والإجهاد، وتحسين النوم.
ـ مساعد في السيطرة على التوتر والإجهاد، وتحسين النوم.
ـ التفاؤل يرفع
نظام مناعة الجسم للوقاية من الأمراض.
ـ التفاؤل مريح
لعمل الدماغ، فالطاقة التي يبذلها الدماغ، عند التفكر لساعات، وأنت متفائل، أقل
بكثير من أن تتشاءم لمدة خمس دقائق.
ختامـــــا:
هذه دعوة لنبذ التشاؤم، ففيه سوء ظن بالله سبحانه، وهو
علة تضرب النفس، وتبيد جمالها،فمن أمراض النفس واعتلالها النظر إلى الأمور السلبية
لا غير،مع يأس وإحباط فلنركز على الجوانب المضيئة في حياتنا، ولنجعل التفاؤل
اقتداء برسولنا الكريم منهجا لحياتنا ، فالتفاؤل إيجابية ونشاط وهمة. فما تقوله
تكونه، وما تريد أن تكونه فعليك أن تقوله.
أخيرا إن التفاؤل
المتحدث عنه، هو الذي يولد الهمة، ويبعث العزيمة ويجدد النشاط، المتفائل متوكل على
الله، أكثر الناس نشاطا، وأقواهم أثرا.
فأن تتفاءل في
أصعب المواقف وفي أحلك الظروف، فأنت متوكل على الله، أن تتفاءل عند ما يكفهر وجه
الزمن، فأنت على يقين برب السماء، أن تتفاءل حينما تتكالب وتشتد المحن، فأنت واثق
من عون ونصر الله. وأي تفاؤل أعظم من أن ترى الخير في طيات الشر، وأن ترى المحن
منحا، وأن ترى المنع عطاءً ـ كما قال ابن عطاء الله السكندري ـ فأنت في قمة التفاؤل.
التفاؤل.
المراجع:
ـ معجم لسان العرب
لابن منظور
ـ السيرة النبوية
دروس وعبر لمصطفى السباعي
عناوين مقترحة من
المدونة:
تعليقات
إرسال تعليق