الصفحات

القائمة الرئيسية

البيع بالثمن المؤجل وتقسيطه:

البيع بالثمن المؤجل وتقسيطه:

توطئــــة:

الأصل في الثمن الحلول، وهذا متفق عليه بين الفقهاء في الجملة، قال ابن عبد البر: "الثمن أبداً حال، إلا أن يذكر المتبايعان له أجلاً فيكون إلى أجله"، لأن الحلول مقتضى العقد وموجبه.
        وفي مجلة الأحكام العدلية، أن البيع المطلق ينعقد معجلاً، ثم استثنت المجلة ما جرى العرف فيه أن يكون مؤجلاً أو مقسطا.
        وقد تبين مما سبق أن الثمن إما أن يكون معجلا، وإما أن يكون مؤجلا، والثمن المؤجل إما أن يكون إلى موعد معين لجميع الثمن، وإما أن يكون مقسطاً على مواعيد معلومة.
ولا بد في جميع الأحوال من أن يكون الأجل معلوماً، مهما طال ولو إلى عشرات السنين.
وفيما يلي معنى الأجل في اللغة، وتعريف بيع الأجل في اصطلاح الفقهاء، مع بيان مشروعيته:

معنى الأجل في اللغــــة:

 الأجل لغةً كما جاء في القاموس المحيط هو: مدة الشيء، والتأجيل تحديد الأجل، وأجَّله: إذا حدد له الأجل، واستأجل: طلب التأجيل والتأخير، يقال استأجلته فأجلني إلى مدة، والآجل: المتأخر، وخلاف العاجل، يقال يؤثر العاجل ويذر الآجل.
وفي القاموس المحيط أيضاً: أجل الشيء بمعنى أخره وسمى له أجلا، والأجل بمعنى مدة الشيء، والوقت الذي يحدد لانتهاء الشيء، أو حٌلولِه أي غاية الوقت المحدد لشيء ما، قال تعالى: "وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا" الأنعام 128. 
                وورد في مختار الصحاح أن الأجل مدة الشيء وأجَّله إلى مدة أي وقَّت له وقتاً. والآجلة ضد العاجلة.

        أهم ما تدل عليه هذه التعريفات اللغوية: التأخير، وتسمية الأجل المحدد لهذا التأخير. 

بيع الأجل اصطلاحا:

                بيع الأجل في اصطلاح الفقهاء هو"بيع سلعةٍ بثمن لأجل"، أي بيع سلعة ما نقوداً، على أن يستسلم المشتري السلعة وقت البيع، ويؤجل تسليم الثمن إلى أجل.
                يتم نظام بيع الأجل إذن على تسليم السلعة في الحال، مقابل تأجيل سداد الثمن إلى وقت معلوم، سواء كان التأجيل للثمن كله أو لجزء منه.
والبيع الآجل قد يكون بالسعر الذي تباع به السلعة نقداً، وقد يزيد الثمن المؤجل عن الحال.

مشروعية البيع بالثمن المؤجل:

                وقد ثبتت مشروعية بيع السلعة نسيئة بثمن المعجل، بالقرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع علماء الأمة.
                 حيث قال سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتهم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه" البقرة 282، فالنص يصرح بجواز تأجيل الدين، وحقيقة الدين عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقداً، والآخر في الذمة نسيئةً.
                ومقتضى تسمية الأجل في الآية الكريمة معلوميته، فالدين إلى أجل غير مسمى يؤدي إلى المنازعة.
                ومن السنة النبوية ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى طعاماً وأجل ثمنه، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: "اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعاماً بنسيئة ورهنه درعه"، وفي رواية أخرى، "أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل فرهنه درعه ".
 ذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري: "قوله: باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة أي بالأجل، قال ابن بطال: الشراء بالنسيئة جائز بالإجماع. قلت لعل المصنف تخيل أن أحداً يتخيل أنه صلى الله عليه وسلم لا يشتري بالنسيئة لأنها دين فأراد دفع ذلك التخيل".
        وجاء في المغني والشرح الكبير أن البيع بالنسيئة مباح اتفاقاً.
                 فالأمة زاولت وما تزال تزاول هذه الصيغة من التعامل ولا يُعلم مخالف في هذا.
        وجاء في مجلة الأحكام العدلية، أن تأجيل الدين لا يثبت إلا باتفاق البائع والمشتري عليه، أما مع الإطلاق فلا يثبت التأجيل إلا إذا كان العرف يقتضي التأجيل .
                كما أن تأجيل الدين حين يتفق عليه في العقد أو بعده، فإنه لازم للبائع وليس له إلزام المشتري بأداء الدين قبل حلول موعد أدائه.
        ومقتضى تسمية الأجل في الآية الكريمة ـ كما سبق الذكر ـ في قوله تعالى: "إلى أجل مسمى"، معلوميته فلابد أن يكون معلوماً غير مجهول فالدين إلى أجل غير مسمى، غير معلوم يقود إلى المنازعة، وقد أمر صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: "من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم". 
                إذن لابد لصحة البيع المؤجل الثمن، من تحديد الثمن وتحديد الأجل الذي يسدد فيه، لقوله تعالى: "ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه"البقرة 282.
                والحكمة في ذلك أن جهالة الأجل وعدم توثيقه، يفضيان إلى المنازعة في التسلم والتسليم، فوجب إغلاق ما يفضي إليها، كما أن ذلك قد يؤدي إلى عدم الوفاء بالعقود، حيث قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود".
يقول الكاساني عند حديثه عن شروط صحة البيع: "منها أن يكون المبيع معلوماً وثمنه معلوما علماً يمنع من المنازعة، فإن كان أحدهما مجهولاً جهالة مفضية إلى المنازعة فسد البيع...لأن الجهالة إذا كانت مفضية إلى المنازعة كانت مانعة من التسليم والتسلم فلا يحصل مقصود البيع". 
        وقال ابن رشد يجب أن يكون بيع الأجل "معلوم الأجل إن كان بيعاً مؤجلاً".
                 أما إذا لم يحدد الأجل فيقول ابن عابدين: "ولو باع مؤجلا أي بلا بيان مدة بأن قال بعتك بدرهم مؤجل، صُرف قوله لشهر لأنه المعهود في الشرع في السلم ..."
أي يحمل القول على الجهالة اليسيرة التي لا تفسد البيع، في حين روي فساد البيع عن البعض عند جهالة الأجل.
                من خلال ما عرضنا تظهر مشروعية تأجيل الثمن مع قبض المثمن بالكتاب والسنة والإجماع، لكن بشروط تضمن عدم المنازعة وهي:
                ـ تسمية الأجل بأن يكون محدداً معلوماً.
                ـ الإطلاق في صيغة دفع الثمن يحمل على التعجيل، ولا يثبت التأجيل إلا بالاتفاق عليه أثناء العقد أو بعده، أو إذا كان العرف يقتضي التأجيل.
                ـ التأجيل ملزم للبائع وليس له مطالبة المشتري بحلول الدين.

 تقسيط الثمن المؤجل:

                المعروف عند القدامى هو تأجيل الثمن كاملاً أو بعضه ليسلم جملة واحدة لأجل.
لذلك لم يتناول الفقهاء قديماً بياناً واضحاً لمسألة تقسيط الثمن، وقد ذكر الدكتور عطا السيد إشارةً لابن عابدين في حاشيته: "ومنها ـ أي جهالة الأجل ـ اشتراط أن يعطيه الثمن على التفاريق أو كل أسبوع البعض(أي بعض الثمن)، فإن لم يشترط في البيع، بل ذُكر بعده لم يفسد، وكان له أخذ الكل جملةً".
                فظاهر العبارة أن دفع الثمن بالتقسيط أي التفاريق كما عبر عنه، يصح إذا شُرط في البيع أو بعده، والذي رآه العلماء أن هذه من الشروط والاتفاقات المباحة التي يحكمها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً". 
                وليس في اتفاق المتبايعين على تفريق الثمن لآجال معدودة ومعلومة أي شبهة، بل هو من التيسير الذي حث عليه الشرع حيث قال صلى الله عليه وسلم: "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى". 
                ولا يثبت تأجيل الدين أو تقسيطه إلا بالنص عليه عن طريق الشرط في العقد أو بعده، لذا فإنه مع الإطلاق لا يثبت التأجيل إلا إذا كان العرف يقتضي ذلك كما ذكرنا.
                وإذا ثبت جواز تأجيل الثمن ودفعه جملة واحدة، ثبت تأجيله ليدفع  أقساطاً. وقد ورد في مجلة الأحكام العدلية أن "البيع مع تأجيل الثمن وتقسيطه صحيح".يبقى تفصيل القول في مسألة الزيادة في الثمن المؤجل والمقسط، في الموضوع القادم بحول الله. 

المصادر والمراجـــــع:
القاموس المحيط للفيروزأبادي
الكافي لابن عبد البر
بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد
مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر الرازي
المغني لابن قدامة
فتح الباري لابن حجر العسقلاني
مجلة الأحكام العدلية علي حيدر
حاشية ابن عابدين رد المحتار على الدر المختار
مجلة مجمع الفقه الإسلامي الجزء السادس

مشاركات من مدونة "فقه المرأة":

هل اعجبك الموضوع :
مدونة تعليمية تربوية، تعنى بالأحكام الفقهية الخاصة بالمرأة، وكل ما يتعلق بها من ثقافة ومعرفة

تعليقات