بيع التقسيط: دوافع وفوائد انتشاره
مفهوم بيع التقسيط:
أولا: التقسيط في اللغة
يقال قسط الشيء، أي فرقه وجعله أجزاء. والتقسيط معناه التقسيم أو التفريق
والتنجيم. والدين جعله أجزاء معلومةً تؤدى في أوقات معينة.
والقسط معناه: الحصة والنصيب يقال تقسطنا الشيء بيننا، أي أخذ كل حصته ونصيبه
منه.
والقسط يعني أيضاً العدل: يقال أقسط الرجل فهو مقسط أي عادل.
وهناك صلة بين المعنيين، الحصة والنصيب من جهة والعدل من جهة أخرى. إذ النصيب
يفترض فيه أن يكون عادلاً بوجه من الوجوه، وقول الفقهاء: إن للزمن قسطاً من الثمن،
فإنما يعنون أن للزمن حصة عادلة من الثمن.
والتقسيط يقال له التنجيم ومعناه أداء الدين نجوماً أي على دفعات، والنجم
معناه الوقت المضروب، ويقال نجم المال تنجيما أداه نجوما.
ثانيا: التقسيط في
الاصطلاح الفقهي
لم يكن مصطلح البيع بالتقسيط معروفاً عند علماء الشريعة في الفقه الإسلامي،
قبل القرن الماضي الذي عرف وشاع فيه هذا النوع من البيوع.
فبيع التقسيط إذن عبارة معاصرة، لمعاملة مالية قديمة، لأنه ـ كما سنرى بحول
الله ـ ليس نوعاً مطابقاً لأنواع بيع النسيئة، فالبيع في الفقه الإسلامي، إما أن
يكون معجل البدلين (يداً بيد)، أو مؤجل البدلين معا (وهو الكالئ بالكالئ)، أو أحد
بدليه معجلاً والآخر مؤجلاً، فإن عُجل الثمن وأجل المبيع فهو بيع السلَم، وإن عُجل
المبيع وأُجل الثمن فهو بيع النسيئة.
والتقسيط والتنجيم في الاصطلاح الشرعي، هو التأخير لأجل معلوم نجماً أو نجمين.
أو هو المال المؤجل بأجلين فصاعدا.
وقد عرف الفقهاء المحدثون بيع التقسيط، حيث نجد سليمان ابن تركي يعرفه بقوله:
"عقد على مبيع حال، بثمن مؤجل، يؤدى مفرقاً على أجزاءٍ معلومةٍ، في أوقات
معلومة".
وورد في درر الحكام شرح مجلة الأحكام: "التقسيط: تأجيل أداء الدين مفرقاً
إلى أوقات متعددة معينة".
وبين التقسيط والتأجيل علاقة عموم وخصوص، فكل تقسيط تأجيل، وقد يكون التأجيل
تقسيطاً وقد لا يكون، فالتأجيل أعم.
ويخرج من معنى التقسيط الدين المؤجل الذي سيدفع جملة واحدة، فهذا دين غير مقسط
الأداء، ولكي يصدق عليه اسم التقسيط ينبغي أن تكون طريقة سداده في دفعتين فأكثر.
كما يوضح التعريف تقييد الآجال بكونها معينة معلومة، كشرط ضروري لانتفاء
الجهالة والغرر عن هذه المعاملة.
والأقساط قد تكون منتظمة المدة، شهريا أو سنويا مثلا، كما قد تكون متساوية المبلغ
أو متزايدة أو متناقصة. فبيع التقسيط هو بيع يعجل فيه المبيع، ويؤجل فيه الثمن كله
أو بعضه على أقساط معلومة لآجال معلومة.
صورة بيع التقسيط:
رأينا أن بيع التقسيط هو بيع للسلعة الحالة، وتسديد ثمنها مجزأً إلى دفعات
معلومة في أوقات معلومة، بزيادة الثمن مقابل تأجيل وتقسيط دفعه.
وتتم صورة البيع بالتقسيط إما بين طرفين: البائع والمشتري ، وقد يدخل طرف ثالث
في عملية البيع بالتقسيط في صيغ عملية معاصرة لهذا البيع وهي كالآتي:
ـ دخول طرف ثالث يتمثل في البنك، أو أية مؤسسة اجتماعية أو تجارية أو أفراد،
بحيث يدفع الطرف الثالث الثمن حالا للبائع ليتقاضاه من المشتري بزيادة في الثمن
مقسطاً.
ـ لجوء المشتري بالتقسيط لبيع السلعة مرة ثانية نقدا لطرف ثالث غير الذي اشترى
منه، ويطلق على هذا البيع في الفقه الإسلامي "التورق"، لأن غرض المشتري
بالتقسيط؛ البائع نقداً هو الحصول على النقد؛ لا الانتفاع بالمبيع.
ومثيل هذا البيع بيع آخر إلا أنه يتم بين طرفين، وغرضهم جميعاً الحصول على
النقد وأقصد بيع العينة، وصورته أن يبيع البائع السلعة بثمن مؤجل أو مقسط ثم
يشتريها هو نفسه بثمن أقل نقداً.
ـ ومن الصور الشبيهة ببيع التقسيط ما يسمى ببيع المرابحة للآمر بالشراء،
وصورته أن يشتري الممول سلعة موصوفة من طرف الزبون بثمن معجل، على أن يبيعها إليه
بثمن مؤجل أو مقسط أعلى.
ـ البيع الإيجاري ومداره، كما مر معنا في هذا البحث، أن يؤجر أحدهم سلعة يسدد
ثمنها أقساطا إيجارية في مواعيد محددة منتظمة لمدة متوسطة أو طويلة، على أن تنقل
ملكية السلعة إلى المستأجر عند سداد الأقساط. وهو عبارة عن مخرج لضمان
العين.
دوافع انتشار بيع التقسيط:
عرف بيع التقسيط في عصرنا الحالي انتشارا واسعا، نتيجة أسباب عدة. نتج عن هذا
التوسع في التعامل به آثار مختلفة تتمثل في مجموعة من المشاكل، كما حقق المتعاملون
به فوائد كثيرة. لذلك سنتناول بالتفصيل دوافع انتشار التعامل ببيع التقسيط، ثم نذكر
فوائده ومشاكله.
يعد البيع بالتقسيط من الظواهر الاقتصادية البارزة في المجتمع المعاصر، ودوافع
انتشار هذه الظاهرة عديدة منها:
ـ لجوء كل من طرفي عقد البيع بالتقسيط، أي البائع والمشتري، إلى البيع
بالتقسيط، بسبب الموجة الاستهلاكية التي نشأت جراء الانفتاح على الغرب.
ـ التوسع في انتشار بيع التقسيط يمثل مخرجاً وفرصةً هامةً لتمكن التجار من
تصريف منتوجاتهم وعموم الناس من شراء احتياجاتهم.
ـ إجبار ظاهرة ارتفاع الأسعار ذوي الدخل المنخفض أو المحدود، إلى التعامل
بالتقسيط في كل شؤون حياتهم، بل إن اللافت للنظر أن البيع بالتقسيط لم يعد مقصوراً
على الفئات الفقيرة والمتوسطة، بل أصبح منتشراً حتى في الطبقة الغنية.
ـ ارتفاع السقف الاستهلاكي لدى أغلبية أفراد المجتمع، والرغبة في اقتناء سلع
لا يستطيعون دفع ثمنها دفعة واحدة فيلجئون إلى تقسيطه على دفعات شهرية.
فحتى زمن قريب كان التقسيط يقتصر على شراء بعض السلع المعمرة، ولكننا نلاحظ
بشكل قوي أن القائمة شملت العقارات، والسلع التقليدية كالملابس والأحذية والأثاث
وحتى الدواء، بل إن فريضة الحج دخلت نظام التقسيط أيضاً، وكذلك خروف العيد
ومستلزمات المدارس وتكاليف قضاء العطل والزواج، ولوازم البناء.
فوائد ومزايا بيع التقسيط:
لبيع التقسيط فوائد اقتصادية كثيرة يمكن إجمالها في الأمور الآتية:
ـ إن هذا النوع من البيع يعمل على زيادة فرص الاستهلاك، وتعميق أثره على
الاقتصاد حيث تباع المنتوجات بمعدلات سريعة.
ـ كما أن بيع التقسيط يعمل على إيجاد نوع من الارتباط التعاقدي طويل المدى، مع
المستهلكين نظراً لتقديم التسهيلات للمستهلكين بدفع الثمن على دفعات، وهذا من شأنه
أن يرغبهم في الإقبال على التعامل الطويل المدى.
ـ كما يعمل على ترويج السلع والبضائع، لتجنب تكدسها في المخازن، وبالتالي
يعتبر وسيلةً تزيد من المعروض النقدي وتحقق الانتعاشة والرواج المستمر، لأن
التعامل بالتقسيط يشجع المستهلك على الإقدام على الاقتناء.
ـ التغلب على المشكلة التي تواجه كثيراً من الناس، خاصة الفئات ذات الدخل
المحدود والمتمثلة في عدم القدرة على التوفير والادخار، لأن ضيق ذات اليد وكثرة
المطالب يحولان دون هذه الغاية.
ـ التوظيف الدائم لقوى الإنتاج.
ـ استفادة البائع من زيادة الثمن لأجل التقسيط لزيادة مبيعاته، وتنويع أساليبه
التسويقية، ببيعه نقداً وتقسيطاً.
مشاكل بيع التقسيط وسلبياته:
مشاكل التقسيط يمكن أن تشمل البائع والمشتري معاً:
فبالنسبة للمشتري فالمشاكل تمتد إلى تعذر تحصيل الأقساط نفسها، حيث يعجز
المشتري عن سدادها جزئيا أو كليا، كما يتعذر على البائع استرداد سلعته، فمع زيادة
معاملات البيع بالتقسيط بشكل لافت قد يفوق دخل الفرد، بدأت تظهر صعوبات تحصيل
الأقساط، خاصة أن البعض تحولت لديه هذه المعاملة من الرغبة في تلبية الاحتياجات
الأساسية، إلى شراء سلع قد لا تكون ضروريةً، دون تقدير لدخله الحقيقي، مما يثقل
كاهله بالدين، ويربك ميزانيته إذا تنوعت وتعددت الأقساط التي يلتزم بها، مما يعمق
روح الاستهلاك في المجتمع.
أما بالنسبة للبائع، فإن انتقال ملكية المبيع إلى المشتري، يتضمن خطراً
بالنسبة له، ففي حالة إفلاس المشتري، لا يحق للبائع فسخ العقد واسترداد سلعته، بل
يقتصر أمره على أن يكون دائناً عادياً، ويدخل بالباقي من الثمن في التفليسة ويخضع
لقيمة الغرماء تحقيقاً للمساواة بينهم.
كما أن تخلف المدين عن دفع الأقساط في الموعد المحدد يلحق الضرر بالبائع.
المراجــــــــع:
لسان العرب لابن منظور مادة "قسط"
مختار الصحاح لأبي بكر عبد القادر الرازي
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير
البيع بالتقسيط وأحكامه لسليمان تركي التركي
الكافي لابن عبد البر
مواضيع من المدونــــــــــة:
تعليقات
إرسال تعليق