الصفحات

القائمة الرئيسية

حقيقة العيد ومعاني الفرح

حقيقة العيد ومعاني الفرح:

يهل علينا ولله الحمد عيد الأضحى، فما أحوجنا إلى معرفة فلسفة العيد، والغور في مقاصده، وحكمه ومعانيه، لذلك لا تحل علينا هذه المناسة إلا و تُستحضر في منابر عديدة مقالة عبارة عن لوحة بديعة، للأديب مصطفى صادق الرافعي، السوري الأصل، المصري المولد، والذي أصيب بالصمم في صغره، نتيجة مرض عضال، اضطره لمغادرة مقاعد الدراسة، في سن مبكر، إلا أن ذلك لم يمنعه من الاعتكاف على مطالعة أمهات كتب التراث الأدبي والديني، ما أهله لكتابة روائع المقالات التي لا يزال صداها يتردد في القرن الواحد والعشرين، منها "المعنى السياسي في العيد" و"الأيادي المتوضئة" وغيرها من درر المقالات التي جمعها في كتاب: "وحي القلم"، ومنها المقالة التي لنا وقفة معها اليوم.

تستوقفنا هذه اللوحة الرائقة الرائعة التي افتتحها الكاتب، بالحكمة من تشريع العيد للناس قائلا: "ليكون لهم بين الحين والحين يوم طبيعيى، في هذه الحياة، التي انتقلت عن طبيعتها. يوم السلام، والبشر، والضحك، والوفاء، والإخاء...يوم الزينة التي لا يراد منها إلا إظهار أثرها على النفس، ليكون الناس جميها في يوم حب".
مشددا على ضرورة استحضار معنى التسامح قائلا: "يوم تعم الناس ألفاظ الدعاء والتهنئة، مرتفعة بقوة إلهية فوق منازعات الحياة"
يأتي يوم العيد ليذكرنا بضرورة استجلاء الفرح، وتلمسه في أبسط تفاصيل الحياة،: "ذلك اليوم الذي ينظر فيه الإنسان إلى نفسه نظرة تلمح السعادة، وإلى أهله نظرة تبصر الإعزاز، وإلى داره نظرة تدرك الجمال، وإلى الناس نظرة ترى الصداقة.
ومن كل هذه النظرات تستوي له النظرة الجميلة، إلى الحياة والعالم، فتبتهج نفسه بالعالم والحياة".
وبما أن من معاني العيد تذكيرنا بقيم الفطرة التي جُبلنا عليها، فقد نبه الرافعي إلى استلهام حقيقة العيد، من عيون الأطفال قائلا: "وخرجت أجتلي العيد في مظهره الحقيقي، على هؤلاء الأطفال السعداء.على هذه الوجوه النضرة، التي كبرت فيها ابتسامات الرضاع، فصارت ضحكات. وهذه الأفواه الصغيرة، التي تنطق بأصوات لا تزال فيها نبرات الحنان من تقليد لغة الأم".
يضيف الرافعي مبينا، أن سر الفرح والسعادة، ليس في الكثرة، وإنما مكامن الفرح والسرور في القناعة: "هؤلاء السحرة الصغار الذين يُخرجون لأنفسهم معنى الكنز الثمين من قرشين، ويسحرون العيد... ويُلقون أنفسهم على العالم المنظور، فيبنون كل شيء على أحد المعنيين الثابتين، في نفس الطفل: الحب الخالص، واللهو الخالص".إلى أن يقول: "قانعون يكتفون بالتمرة، ولا يحاولون اقتلاع الشجرة التي تحملها. ويعرفون كُنه الحقيقة، وهي أن العبرة بروح النعمة لا بمقدارها".
ويستمرالكاتب في سرده، بأن الفرح ليس في المظاهر الخادعة الكاذبة، قائلا: "ويبتعدون بطبيعتهم عن أكاذيب الحياة، فيكون هذا بعينه، هو قربهم من حقيقتها السعيدة".
ويمضي الكاتب موضحا أن القرب من الفرح، في البساطة دون تعقيد، مع شيئ من التغابي والتغافل، وقد ثبت أن نصف العقل التغافل: "هؤلاء الأطفال هم السهولة قبل أن تتعقد... يفتشون الأقدار من ظاهرها، ولا يستبطنون، كيلا يتألموا بلا طائل. ويأخذون من الأشياء لأنفسهم فيفرحون بها، ولا يأخذون من أنفسهم للأشياء كيلا يوجدوا لها الهم".
ويضيف مبينا حكمة الصغار العليا: "أن الفكر السامي هو جعل السرور فكراً وإظهاره في العمل". 
وأن شعرهم البديع في: "أن الجمال والحب ليسا في شيء إلا في تجميل النفس وإظهارها عاشقة للفرح".
وأن فلسفة هؤلاء الفلاسفة الصغار تقوم: "على قاعدة عملية، وهي أن الأشياء الكثيرة، لا تكثر في النفس المطمئنة. وبذلك تعيش النفس هادئة مستريحة، كأن ليس في الدنيا إلا أشياؤها الميسرة... فالطفل يُقلب عينيه في نساء كثيرات، ولكن أمه هي أجملهن وإن كانت شوهاء، فأمه وحدها هي أم قلبه..."
ثم يختم متحسرا: "يا أسفا علينا نحن الكبار، ما أبعدنا عن حقيقة الفرح"

ختاما: 

يمنحنا العيد فرصة لتمثل فطرتنا السليمة، التي تفتح أعيننا على الجمال، الغائب عنا لربما، في غيره من الأيام. مدعوون إذن لتقصى معاني العيد: الروحية والاجتماعية، الفردية والجماعية، لننعم بالفرح والحبور، ومن ثم نشره وتعميمه. 
فالعيد في الإسلام يعني الفرح في أسمى معانيه، الفرح في الطاعة والقرب من الله، الفرح بإدخال السرور على المحتاجين، الفرح بإغناء فقير عن المسألة، كما تتجلى معانيه في التضامن والمساواة، وهي مناسبة جماعية للفرح والسلام والأمن والتفاؤل.

للاطلاع أكثر:
هل اعجبك الموضوع :
مدونة تعليمية تربوية، تعنى بالأحكام الفقهية الخاصة بالمرأة، وكل ما يتعلق بها من ثقافة ومعرفة

تعليقات