الصفحات

القائمة الرئيسية

 
دعاء وفضل ليلة القدر

دعاء وفضل ليلة القدر:

فضل ليلة القدر:

من فضل الله على عباده أن سخر لهم مواسم تتضاعف فيها الحسنات وتتعاظم الأجور.ومما أنعم به سبحانه، ليلة وصفها الله عز وجل، بأنها مباركة، لكثرة فضلها وبركتها، إنها ليلة القدر، خصها الله عز وجل بإنزال القرآن، كما خصها بسورة مسماة ب "القدر"، ضمنها سبحانه تعظيما وإجلالا لهذه السورة،قال تعالى:
"إنا أنزلناه":"إنا" بصيغة الجمع للتعظيم، عِظم المُنزل والمنزل، وبيان شرف وعظمة، وقدر هذه الليلة، لاختيارها لبدء نزول الوحي، ف"إنا" لما نجدها في القرآن الكريم، تكون منبهة، لما سيأتي بعدها، من عظائم الأمور، كقوله سبحانه: "إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا"، "إنا أرسلنا نوحا إلى قومه".كما ترد "إنا" في مقام الإنعام.
 وقد ورد الإخبار بجملة فعلية، للتوكيد في قوله سبحانه:"إنا أنزلناه".
"في ليلة القدر" والليلة التي تتحدث عنها السورة، هي الليلة التي جاء ذكرها في سورة الدخان، "إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم"
وهي ليلة من رمضان: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن "، سميت ليلة القدر، من التقدير والتدبير: "فيها يفرق كل أمر حكيم"،  وقد يكون معناه القيمة والمقام: "خير من ألف شهر".
أما وقتها أو تحديدها، فقد ورد أنها في العشر الأواخر، في أيام الوتر،بعضهم عين هذه الليلة، في السابع والعشرين من رمضان، وبعضهم عينها في الواحد والعشرين منه، وهي ليلة من ليالي الوتر، في رمضان على الأرجح.

الحكمة من إخفاءها

ليحصل الاجتهاد في التماسها، بسائر أنواع الأعمال المقربة إلى الله عز وجل، فلو تم تعيينها لاقتصر ذلك على ليلة واحدة. فما ذلك إلا للاجتهاد طيلة الشهر، وخصوصا العشر الأواخر منه، فيحصل العبد بذلك على أجر الاجتهاد
ونحن مأمورون بتحري إدراك هذه الليلة، فمن صحيح الحديث: "تحروا ليلة القدر، في العشر الأواخر من رمضان"، كما قال عليه الصلاة والسلام:"من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"
فهي ليلة الاتصال المطلق بين الأرض والسماء، ليلة الحدث الجليل، المتمثل فيبدء نزول الوحي، يقول صاحب في ظلال القرآن: "النصوص القرآنية التي تذكر الحدث، تكاد ترف وتنير، بل هي تفيض بالنور، الهادئ الساري الرائق الودود، نور القرآن ونور الملائكة والروح".
"وما أدراك ما ليلة القدروكأن الله يقول لا تأخذ المعنى اللغوي الذي تفهمه، وإنما ما أدراك ما ليلة القدر، ليلة فيها من الإشراق والأنوار، ما لا يعلمه أحد، فعظمتها تفوق حدود الإدراك البشري.

من خصائص ليلة القدر:

ـ أنزل فيها القرآن
ـ وصفها الله سبحانه، بأنها مباركة: "إنا أنزلناه في ليلة مباركة"
ـ تنزل فيها الملائكة والروح.
وصفها بأنها سلام.
ـ فيها يفرق كل أمر حكيم.
ـ إن الله يغفر لمن قامها إيمانا واحتسابا، ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
- ليلة تتضاعف فيها أجور العاملين:  "ليلة القدر خير من ألف شهر" فهي ليلة خير من ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر، أي ما يعادل اثنين وثمانين سنة في عبادة خالصة.
آيات كثيرة تدل على أن الليل أخص بالنفحات الإلهية، لخلو القلب عن الشواغل، وسكون الليل، أقوى لاستحضار القلب وصفائه، وأبعد عن الرياء، وكون إنزال القرآن بالليل دون النهار، مشعر بفضل اختصاص الليل، وقد أشار القرآن إلى ذلك في مواطن متعددة: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا"، وقوله عز جل:"ومن الليل فسبحه وإدبار السجود"، "إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا"، وفي الحديث: "إذا كان ثلث الليل الآخر ينزل ربنا إلى سماء الدنيا...".
ليلة القدر فرصة لمضاعفة أجر العبادة، فمن أدركها عشر مرات فكأنما عبد الله ثمانمائة وعشرين عاما. فليس العبرة بطول الأعمار، إنما بحسن العبادة.

دعاء ليلة القدر:

وهذا ما يحثنا على الحرص، للتعرض للنفحات الإلهية، بسائر أنواع الأعمال الصالحة، ومن الأدعية المأثورة في هذه الليلة، ما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم، لعائشة رضي الله عنها"اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنيلم يعلمها عليه الصلاة والسلام طويل الدعاء، بل هن مجرد بضع كلمات، لكن عند تقصي معاني الدعاء، يتبين أن هذه الكلمات الموجزة، جمعت بين خيري الدنيا والآخرة، كيف ذلك؟
فالعفو في اللغة مأخوذ من قول العرب، عفت الرياح الأثر، أي أزالت آثار الأقدام أي محتها. إذن فالعفو هو المحو والإزالة، ومعناه أيضا الكثرة والزيادة، "يسألونك ماذا ينفقون قل العفو"، فالعفو هنا هو الزيادة على ما يحتاج إليه من نفقة. وقوله صلى الله عليه وسلم: "اعفو اللحا" أي الزيادة والإطالة.
والعفو اصطلاحا: محو الذنب وترك العقوبة،  ومعناه أيضا، العطاء بكثرة وزيادة، والعطاء أكثر مما سأل العبد، بل هو الذي يعطي قبل أن نسأل.

وقفات مع دعاء ليلة القدر:

ـ حرص عائشة رضي الله عنها، على السؤال والعمل بمقتضاه.
ـ الحكمة من تخصيص هذه الليلة بسؤال العفو: إن سؤال العفو في كل وقت وحين، مرغوب، وإنما خُص بليلة القدر، بعد الاجتهاد في الأعمال، لأن العبد المخلص يجتهد في العبادة، ثم لا يرى لنفسه عملا صالحا، فيرجو العفو، كحال المذنب المقصر،
ـ الدعاء بهذا اللفظ تضمن أدبا من آداب الدعاء المهمة، وهو الثناء على الله، وقد أرشدنا سبحانه لهذا الأدب، في سور كثيرة، منها الفاتحة، فالسورة نصفان: الأول تمجيد، والثاني سؤال ودعاء. ولما سمع صلى الله عليه وسلم، رجلا يدعو، ولم يمجد الله، ولم يصل على رسوله ،قال:"فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي، ثم يدعو، بعدُ بما شاء".
ـ حاجة العبد وفقره إلى عفو الله.
ـ تنبيه للعبد كي يكون له حظ من اسم الله "العفو"، يعفو عز وجل عن المخطئ، ولا يعجل به العقوبة، وإذا تاب الله محا الذنب، بل أبدل السيئات حسنات. لذلك فكما نصبو لعفو الله، فلنعفو نحن أيضا عمن أساء في حقنا، فالجزاء من جنس العمل.

ختامــــا:

إن اغتنام هذه العشر الأواخر، لإدراك ليلة القدر، في عبادة، له تأثير عظيم على القلب، فالقلب المؤمن يتذوق لذة العبادة، فيكون ذواقا لها، عكس القلوب الميتة، فالذنوب تقتل وتقضي على الإحساس،قال عليه الصلاة والسلام: (تعرض الخطايا على القلوب عرض الحصير، عودا عودا فأي قلب أُشرِبها، نُكِتت فيه نكتة سوداء).
فالذنوب تنسج بعضها بعضا، فيصبح نسيجا من الذنوب، حتى يصبح القلب، كما قال صلى الله عليه وسلم: "مُجَخيا"،لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، أي حتى يصبح كالإناء الوسخ، طبقة فوق أخرى، حتى شكلت الأدران، طبقة كلسية، تغطي وتفصل عن المعدن الأصلي للإناء، كذلك الذنوب كالأوساخ تختم على الإحساس، الذي هو معدن القلب.
فالذي يميز الحق عن الباطل، هو من لم تطبع الذنوب على قلبه. فمِثل الدرَن المتراكم، لا يكفيه مسحوق منظف قوي، مركز، بل يحتاج إلى مواد كيماوية قوية، فكذلك أوساخ القلب، تحتاج إلى دورة مركزة، مثل رمضان ومنه العشر الأواخر، لتنظيفه، هذه الدورة المركزة تجعل القلبَ، يُدرِك عِظم الذنب، وبالتالي يتذوق حلاوة العبادة.
فمن فقد  حاسة الشم بزكام مثلا أو غيره، فحينما يبدأ في استعادته، تكون تلك بداية الشفاء، كذلك المذنب، حينما يستقذر الذنب فقد بدأ يشفى.

أما القلب الآخر الذي يستقذر الذنب، فينكث فيه نكتة بيضاء حتى يصير كحجر الصفا أملس لا يعلق فيه شيء، ومع ذلك قد تنتابه غفلة، فلكل جواد غفوة كما في الحديث الحسن:"ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينما القمر يضيء، إذ علته سحابة فأظلم، فإذ تجلت عنه أضاء"إلا أن أحجام السحب ليست واحدة.

تصفح أيضا :

هل اعجبك الموضوع :
مدونة تعليمية تربوية، تعنى بالأحكام الفقهية الخاصة بالمرأة، وكل ما يتعلق بها من ثقافة ومعرفة

تعليقات