الصفحات

القائمة الرئيسية

حتمية الاختلاف الفقهي وأهمية معرفة أسبابه

حتمية الاختلاف الفقهي وأهمية معرفة أسبابه
حتمية الاختلاف الفقهي وأهمية معرفة أسبابه:
ــ مقدمة
ــ تعريف الاختلاف الفقهي
ــ أهمية معرفة أسباب الاختلاف
ــ أنواع الاختلاف
ــ أدلة جواز الاختلاف
دليل القرآن
دليل السنة القولية والعملية
اختلاف الصحابة رضي الله عنهم
اختلاف الأئمة الأربعة وغيرهم
ــ أسباب تحتم الاختلاف
ــ فائدة معرفة الاختلاف
ــ صور من آداب الاختلاف

مقدمة:

كثيرا ما يُستفسر ـ من قبل غير الدارسين للفقه وأصوله ـ عن سبب اختلاف الفقهاء، رغم أن مصدر الأحكام واحد وهو الكتاب والسنة.
إن كثرة المذاهب الفقهية، واختلاف الآراء في الفروع الفقهية، له أسباب متنوعة ومتعددة، نحاول بيانها بشكل مبسط موجز، مع بيان أدلة جواز الاختلاف وأهميته، وذكر صور من آداب اختلاف الفقهاء.

مفهوم الفقه والاختلاف الفقهي:

تعريف الفقــــه:
الفقه في اللغة معناه الفهم الدقيق, أما في الاصطلاح الشرعي، فالفقه هو معرفة الأحكام الشرعية العملية، المكتسبُ من الأدلة التفصيلية.

تعريف الاختلاف الفقهي:

الاختلاف ضد الاتفاق, ويعني في اللغة المغايرة، عرفه الجرجاني في "التعريفات" بأنه: "منازعة تجري بين المتعارضين لتحقيق حق أو لإبطال باطل". ولا يخرج معناه الاصطلاحي عن مفهومه اللغوي، والخلاف والاختلاف بمعنى واحد عند كثير من العلماء، والبعض الآخر يجعل الخلاف محمودا، والاختلاف مذموما.
فنقول خالف مالكا، فهو خلاف. كما نقول اختلف الفقهاء، فهو اختلاف. الثابت في لغة الضاد أن زيادة المبنى تعني زيادة في المعنى، إلا أنها بالنسبة لهذين المصطلحين لا تُحدث فرقا بارزا بينهما.
 أما مركب "الاختلاف الفقهي" فهو تعدد أقوال المجتهدين، في المسائل العملية الفرعية، التي لم يرد بخصوص حكمها الشرعي، دليل قطعي. 

أهمية معرفة أسباب الاختلاف:

لمعرفة أسباب الاختلاف، ميزة في تضييق الفجوة التي نشهدها تنخر في أوساط المسلمين، وفي توسيع أساس الحوار بينهم، فإذا نظر المسلم، في أسباب اختلاف الفقهاء في فروع الفقه، يعلم أن الله له حكمة عميقة، في جعل النصوص الشرعية، محتملة لعدة معاني، يتفاوت المجتهدون في إدراكها، آنئذ يتسع صدره للاختلاف، ويحسن الظن، ويلتمس العذر، فقد كان الجهل بهذه الأسباب المحتمة للاختلاف، هو السبب الرئيس في نشوب الخلافات والصراعات.
وقد عرض الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات، من أقوال العلماء في الحث على العلم بالاختلاف، فعن قتادة: "من لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه الفقه"، وعن أيوب السختياني: "أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما باختلاف العلماء".

أنواع الاختلاف:

هناك خلاف مقبول وآخر مردود. فالخلاف المقبول، لا يكون إلا في الفروع لا في الكليات، ولا حرج لأن أسباب الاختلاف كثيرة، ولا مناص منها،  أما الاختلاف المردود المذموم فهو ما يكون لمجرد التعصب للرأي دون دليل.

أدلة جواز الاختلاف:

دليل القرآن:

دل القرآن على جواز الاختلاف، في آيات كثيرة "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر"، فيه إشعار بجواز الاختلاف، إنما المطلوب الاحتكام للقرآن والسنة. فالخلاف ليس منقصة إنما العيب في التنازع والتباغض.

دليل السنة الشريفة:

دلت السنة النبوية القولية والتقريرية، على جواز الاختلاف.
ــ السنة القولية:
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر. فما دام الاجتهاد قد فُتح بابه، بل رُغب فيه وإن أخطأ المجتهد، فهذا دال على جواز الاختلاف، بل نجد الرسول صلى الله عليه وسلم، يؤَمن المجتهد وإن أخطأ، بل يعده بالأجر، لما بذل من قصارى جهده.
ــ السنة التقريرية:
منها ما أقره صلى الله عليه وسلم للفريقين المختلفين، في حادث الصلاة في بني قريظة ـ كما سنفصل لاحقا ـ حين قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ٍ مسلم ( 1770 ) والبخاري ( 904 ): "لا يُصلين أحد العصر إلا في بني قريظة".
فلم يعنف عليه السلام أيا من الفريقينن بل أقرهم جميعا. (من الطريف أن يأتي بعد ذلك أحدهم، بعد أربعة عشر قرنا، ويخوض في أفضلية من صلى حيث أدركه العصر، أم من لم يصل إلا في بني قريظة؟ إذا كان صاحب الأمر، العالم بمقصود كلامه صلى الله عليه وسلم، أقرهم جميعا، فلا سبيل لمزيد كلام في ذلك).
ومنها إقراره صلى الله عليه وسلم لمن صليا بالتيمم، فلما وجدا الماء، توضأ أحدهما، وأعاد صلاته، واكتفاء الآخر بصلاته التي أقامها بالتيمم، بل أشاد صلى الله عليه وسلم بفعل كل منهما، حين قال للمعيد: "لك الأجر مريتين"، وقال للثاني: "أصبت السنة".

اختلاف الصحابة:

ـ كان أول اختلاف للصحابة رضوان الله عليهم، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل دفنه، في سقيفة بني ساعدة، حول من سيخلف الرسول صلى الله عليه وسلم.
ــ اختلافهم في جباية أموال الخراج، بعد اتساع الأراضي المفتوحة.
ــ اختلافهم في ميراث الجد مع الإخوة، فأبو بكر وابن عباس، قاسا الجد على الأب فحجبا الإخوة ، في حين ذهب علي وعمر، إلى أن الجد لا يحجبهم، بل يرثوا جميعا .
وجمهور العلماء على قول علي وعمر، وكذلك أكثر قوانين البلاد الإسلامية. حجة الرأي الأول: أن "الكلالة من ليس له ولد ولا والد"، ودليل القول الثاني: إطلاق الأب على الجد وجد الجد وإن علا، لقوله سبحانه: "أبوهم إبراهيم".
ــ اختلافهم في أمور جزئية غيبية مثل: اختلافهم في رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم للذات الإلهية، عند سدرة المنتهى، فعائشة رضي الله عنها، قالت إنما رأى صلى الله عليه وسلم جبريل، أما رؤية الله تعالى ففي الآخرة، لا في الدنيا. وخالفها غيرها في ما ذهبت إليه.
اختلافهم في هل يعذب الميت ببكاء أهله؟ فعائشة رضي الله عنها رأت أنه " لا تزر وازرة وزر أخرى"، في حين ذهب بعض الصحابة، إلى اعتماد الحديث: "يعذب الميت ببكاء أهله عليه" وردت عاشة  رضي الله عنها على راوي الحديث، بأنها لا تتهمه بالكذب، ولكن السمع يخطئ، فربما سمع: "هذا رجل يعذب، وأهله يبكون عليه"، لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى.
في حين اختار الإمام البخاري، فك التعارض الظاهري بين قوله تعالى: "لا تزر وازرة  وزر أخرى" وحديث: "يعذب الميت ببكاء أهله عليه" إذا أوصى الميت بالبكاء عليه.

اختلاف الأئمة الأربعة وغيرهم:

حيث لم يعنف بعضهم بعضا، ولم يخطئ أحدهم الآخر، فالإمام أبي حنيفة كان يقول: هذا الذي نحن فيه رأي، ولا نجبر عليه أحدا، إنه أحسن ما قدرنا عليه، ومن جاء بأحسن منه قبلناه.
أما الإمام الشافعي فما أروع ما قال: "قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول المخالف خطأ يحتمل الصواب".وكذلك قوله "إن صح الحديث فهو مذهبي".

أسباب الاختلاف:

إن اختلاف الفقهاء، في كثير من المسائل الفقهية، له أسباب متعددة نذكر منها:

ـ الاختلاف بسبب ثبوت النص:

 فالأدلة الشرعية من حيث الثبوت نوعان:
أدلة قطعية الثبوت: وهي نصوص القرآن الكريم، والسنة المتواترة (منها ما ثبتت به فرضية الصلاة والصوم والزكاة والحج) والإجماع، وهو اتفاق جميع العلماء المجتهدين في عصر من العصورعلى حكم شرعي.
أدلة ظنية الثبوت: مثل سنة الآحاد، والاجتهاد فيما لا نص فيه باستخدام القياس، أو الاستحسان , أو المصلحة المرسلة أو العرف، أو عمل أهل المدينة، أو اعتبار شرع من قبلنا.

ـ الاختلاف بسبب دلالة النص:

         فقد اقتضت إرادة الله سبحانه، أن ترد النصوص إما دالة على معنى واحد لا غير، أو أن تكون محتملة لأكثر من معنى. فهي أسباب تعود إلى فهم النص، وعقول المجتهدين متفاوتة في ذلك. ولذلك قسم علماء أصول الفقه، الأدلةَ الشرعية من القرآن والسنة، من حيث الدلالة إلى قسمين : أدلة قطعية الدلالة ، وأدلة ظنية الدلالة .

الأدلة قطعية الدلالة: هي ما دلَّ على معنى محدد متعين، ولا يحتمل تأويلاً، ولا مجال لفهم معنى غيره منه ، مثل قوله تعالى: "وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ" النساء/ 12 ، فهذا النص قطعي الدلالة،  ففرض الزوج،  النصفُ لا غير، طبعا في هذه الحالة، ومنه قوله عز وجل، بخصوص الزاني والزانية : "فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ" النور/ 2 ، فهذا النص أيضا قطعي الدلالة، بين أن حد الزنا، مائة جلدة بالتحديد.

الأدلة ظنية الدلالة: أما الأدلة الظنية الدلالة فهي ما دلت على معنى، لكن قد تحتمل التأويل، ويراد منها معنى آخر ، من ذلك قول الله تعالى: "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ" البقرة 228 ، فمصطلح" القرء" في اللغة العربية مشترك بين معنيين، يطلق لغة على الطهر، كما يطلق على الحيض، فيحتمل أن يراد بالنص ثلاثة أطهار ، ويحتمل أن يراد به ثلاث حيضات ، فهو ليس قطعي الدلالة على معنى واحد من المعنيين ، وكان هذا سبب اختلاف الفقهاء في عدة المطلقة، هل هي ثلاث حيضات أم ثلاثة أطهار؟
أما مثال السنة ظنية الدلالة، فقوله صلى الله عليه وسلم: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ "، فمن فهم الأمر على أنه تحريض على التعجيل والمسارعة، صلى دون الوصول إلى بني قريظة، أي حيث أدركه العصر. ومن فهم الأمر على ظاهره، لم يصل إلا في بني قريظة.
فالنصوص الشرعية باللغة  العربية، التي منها اللفظ الصريح، والمكنى، ومنها المعنى المنطوق والمفهوم غير المنطوق، وفيها العام والخاص، كما تحتوي اللغة العربية على اللفظ المشترك في معاني عدة، وعلى المطلق والمقيد، وكل ذلك وغيره يدعو للاختلاف.
فالمشترك مثلا منه اللفظي، والتركيبي الجملي، فالأول هو اللفظ الذي يدل على أكثر من معنى ، كالعين تطلق على حاسة العين، وعلى عين الماء، كما تطلق على الجاسوس.
فحين نقرأ: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء"، هذه آية قطعية الثبوت طبعا لكنها ظنية الدلالة، لأن لفظ القُرء لفظ مشترك، يطلق فيراد به الطهر والحيض معا. فيرجع المجتهد إلى حجج منفصلة عن النص، لترجيح أحد المعنيين.
فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن المطلقة تعتد بثلاثة أطهار، في حين رأى أبو حنيفة أن عدتها ثلاث حيضات. والترجيح  يكون عن دليل وليس عن هوى، وقد كان دليل الأحناف قول الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابية المستحاضة: "دع الصلاة أيام أقرائك" أي الأيام التي تحيضين فيها.
أما المشترك التركيبي الجملي، أي الاشتراك من جهة تركيب الجملة، كأن يكون هناك ضمير يعود على أكثر من جهة مذكورة في الجملة، مثل قوله تعالى: "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه".
مثال آخر على الاشتراك التركيبي، قوله سبحانه: "إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح"، حين تحدث سبحانه عن نصف صداق المطلقة قبل الدخول بها، وهو إما أن يعفو المطلق فيترك لها الصداق المسمى كاملا، أو أن تعفو المطلقة عن النصف لطليقها، لكن المختلف فيه هنا بسبب الاشتراك التركيبي، هو هل يجوز لوليها أن يعفو عن نصف الصداق للمطلق، نيابة عنها دون إذنها؟ اختلف الفقهاء، منهم من أباح له ذلك، دليله أن الولي هو المقصود من قوله تعالى: "أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح" .

ـ الاختلاف بسبب عدم ورود النص:

 اقتضت حكمته سبحانه، أن ترد بعض النصوص مفصلة في الحكم ، مع وجود نوازل أخرى، لم يرد فيها نص مبين للحكم، فكان ذلك مدعاة لاجتهاد الفقهاء لاستنباط الحكم، مما أدى إلى اختلافهم في الاحتجاج ببعض الأدلة كالاستحسان، والعرف، واعتبار شرع من قبلنا شرع لنا، وسد الذرائع، إلى غير ذلك من أدلة الاجتهاد فيما لا نص فيه.

ـ الاختلاف بسبب تعارض الأدلة:

 والحقيقة أنه تعارض ظاهري. وقد سلك العلماء مسالك عدة للترجيح بين الأدلة المتعارضة إما ب:
ـالنسخ
ـالجمع بين الأدلة
ـالحكم بتساقط الأدلة
ـالعمل بالأصل، وهذا منهج أبي حنيفة في دفع التعارض الظاهري.

تساؤل مشروع:

قد يقول قائل لم لا يتوحد العلماء على رأي واحد، رغم تدوين الحديث النبوي  الشريف، وبيان درجة ثبوته؟
والجواب أنه رغم الثبوت، يبقى الاختلاف في الفهم، فلا يمكن حمل العلماء كلهم على فهم واحد، وقد اختلف فهم الصحابة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن يسعى لتوحيد رأيهم إذا اختلفوا في الفروع، بل يقر كلا منهم . فلو أراد الله عز وجل أن يجعل هذه الأمة على رأي واحد، لأنزل آيات مفصلات قطعية لا تشابه فيها، ولكنه سبحانه أنزل المحكم والمتشابه: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات".
فالاختلاف ضرورة لغوية ، فالدين نزل باللغة العربية، وفيها المطلق والمقيد، فيها المجاز والحقيقة، الصريح والكناية.
والاختلاف ضرورة طبيعية، وهو  سنة كونية، فطبيعة الناس، تقتضي أن يكون منهم المضيق المشدد، والمخفف الموسع، فالاختلاف من طبيعة البشر, وقد اقتضى بديع خلقه سبحانه، أن يكون الاختلاف في كل شيء، وهو ما يشكل الصورة الجميلة في تجمع وتنوع.
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم  فيهم الموسع، وفيهم الأقل تيسيرا، ولذلك نجد أبا جعفر المنصور مخاطبا الإمام مالك، حين طلب منه تأليف الموطأ: "تجنب فيه شدائد ابن عمر، ورخص ابن عباس، وشواذ ابن مسعود".
ومالك نفسه لم يكن راغبا في تأليف كتاب فقهي، لكي لا يحمل الناس على رأي واحد، ما دام الأمر فيه سعة، فقال لأبي جعفر المنصور: إن اختلافهم رحمة، فاتركهم على اختلافهم، وأن لا تحملهم على رأي واحد. وفضل أن يستمع الناس للآراء الأخرى .
وقديما قال عمر بن عبد العزيز: "كان يسرني أن الصحابة قد اختلفوا".

فائدة معرفة الاختلاف الفقهي:

الاختلاف ثروة ووفرة، فهذا يهتم بالمقاصد، والآخر يولي اهتماما بالنصوص. كما أن معرفة الاختلاف ، ضرورة للتعايش مع الخلاف الفقهي، وقد قال المقري: "تعلم الخلاف يتسع صدرك"، لأن الذي لم يعلم اختلاف العلماء، كلما سمع رأيا، غير الذي يعلم، هب إلى مناهضته، دون أن يعلم أن الرأي الآخر ينبني أيضا على قواعد وحجج.
ومن فوائد الاختلاف أيضا:
ـ إمكانية ترجيح الرأي المرجوح عند اختلاف الأزمنة، (مثال ذلك عدم اشتراط الولي في الزواج في مدونة الأسرة الجديدة).
ـ كذلك عند اختلاف الأمكنة، فالذي يقيم بديار الغربة، قد يناسبه رأي غير الذي يلائم غيره، لذلك أجاز ابن تيمية تهنئة غير المسلمين، لما فيه من مصلحة، وتعزيتهم وعيادة مرضاهم.

صور من آداب الاختلاف:

الاختلاف ليس سببا للتنابز والتدابر، فقد اختلف الصحابة مع احترام كل منهم للآخر، فيقولون عن المخالف إنما نسي، ولا يكفر أحدهم غيره.
فعمر مثلا، خالف امرأة في نفقة المطلقة ثلاثا، فقال لا نترك كتاب الله لقول امرأة لا ندري أحفظت أم نسيت، ولم يقل كذبت.
وعلي أيضا لما خرج عليه الخوارج، وحملوا عليه السيف، قيل له: أمنافقون؟ فأجابهم: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا، وهؤلاء يذكرونه، قيل له: فماذا نقول؟ وهم يقاتلوننا؟ قال: نقول: "إخواننا بغوا علينا" دون أن يرميهم بالكفر، ولا النفاق، ولا بالبدعة.
الإمام أحمد حينما سئل هل يصلي وراء من لا يرى نقض الوضوء من سيلان الدم من الأنف، قال: إذن لا أصلي وراء مالك وسعيد بن المسيب، -ويعني بقوله أن الأمر لا يحتمل السؤال-  بل أصلي خلفهم وإن خالفتهم الرأي.
الشافعي اختلف مع مالك ومع ذلك قال: مالك النجم، وكذلك صلى في مسجد أحمد، ولم يقنت احتراما لصاحب المسجد.
من أين تعلموا ذلك كله؟ من الرسول صلى الله عليه وسلم الذي علمهم أن الاختلاف لا يؤدي إلى القطيعة، وأنه ليس حربا شعواء، فقد كانوا يسافرون معه صلى الله عليه وسلم، ومنهم المفطر، ومنهم الصائم، فلا يعيب على أحد.
ففي الاختلاف رحمة وسعة ووفرة، وغنى وتنوع. وهو منبئ عن الكثير من التكامل والتناغم كما في قوله عز وجل: "فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها"فاطر 27.
المراجـــع:
جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر
الموافقات للشاطبي
التعريفات للجرجاني
مشاركات قد تهمك:

هل اعجبك الموضوع :
مدونة تعليمية تربوية، تعنى بالأحكام الفقهية الخاصة بالمرأة، وكل ما يتعلق بها من ثقافة ومعرفة

تعليقات